التكذيب من جانب النفي. وكلاهما خارج عن السنة والجماعة. وكذلك إفراد الكلام في النقطة والشكلة بدعة، نفيا وإثباتا. وإنما حدثت هذه البدعة من مائة سنة أو أكثر بقليل. فإن من قال: إن المداد الذي تنقط به الحروف وتشكل به قديم، فهو ضال جاهل. ومن قال: إن إعراب حروف القرآن ليس من القرآن- فهو ضال مبتدع.
بل الواجب أن يقال. هذا القرآن العربيّ هو كلام الله. وقد دخل في ذلك حروفه بإعرابها. كما دخلت معانيه. ويقال: وما بين اللوحين جميعه كلام الله. فإن كان المصحف منقوطا مشكولا أطلق على ما بين اللوحين جميعه أنه كلام الله. وإن كان غير منقوط ولا مشكول، كالمصاحف القديمة التي كتبها الصحابة، كان أيضا ما بين اللوحين هو كلام الله. فلا يجوز أن تلقى الفتنة بين المسلمين بأمر محدث ونزاع لفظيّ لا حقيقة له. ولا يجوز أن يحدث في الدين ما ليس منه.
وسئل رحمه الله تعالى عن رجلين تباحثا فقال أحدهما: القرآن حرف وصوت.
وقال الآخر: ليس هو بحرف ولا صوت. وقال أحدهما: النقط التي في المصحف والشكل من القرآن. وقال الآخر: ليس ذلك من القرآن. فما الصواب في ذلك؟
فأجاب رضي الله عنه: الحمد لله رب العالمين. هذه المسألة يتنازع فيها كثير من الناس. ويخلطون الحق بالباطل. فالذي قال: إن القرآن حرف وصوت، إن أراد بذلك أن هذا القرآن الذي يقرأ للمسلمين هو كلام الله، الذي نزل به الروح الأمين على محمد خاتم النبيين والمرسلين، وأن جبرئيل سمعه من الله، والنبيّ صلى الله عليه وسلم سمعه من جبرئيل، والمسلمون سمعوه من النبيّ صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [النحل: ١٠٢] . وقال: وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [الأنعام: ١١٤]- فقد أصاب في ذلك. فإن هذا مذهب من سلف الأمة وأئمتها. والدلائل على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة والإجماع.
ومن قال: إن القرآن العربيّ لم يتكلم الله به وإنما هو كلام جبرئيل أو غيره، عبّر به عن المعنى القائم بذات الله، كما يقول ذلك ابن كلّاب والأشعريّ ومن وافقهما- فهو قول باطل من وجوه كثيرة. فإن هؤلاء يقولون: إنه معنى واحد قائم بالذات. وإن معنى التوراة والإنجيل والقرآن واحد. وإنه لا يتعدد ولا يتبعض. وإنه إن عبر عنه بالعربية كان قرآنا، وبالعبرانية كان توراة. وبالسريانية كان إنجيلا. فيجعلون معنى آية الكرسي، وآية الدّين، وقل هو الله أحد، وتبت يدا أبي لهب، والتوراة والإنجيل وغيرهما- معنى واحدا. وهذا قول فاسد بالعقل والشرع. وهو قول أحدثه ابن كلاب. لم يسبقه إليه غيره من السلف. وإن أراد قائل بالحرف والصوت، أن الأصوات