للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجود واحد. ولم يفرّقوا بين الواحد بالنوع والواحد بالعين. كما لم يفرّق أولئك بين الكلام الواحد بالعين، والكلام الواحد بالنوع. وكان منتهى أمر أهل الإلحاد في الكلام، إلى هذا التعطيل والكفر والاتحاد. الذي قاله أهل الوحدة والحلول والاتحاد في الخالق والمخلوقات. كما أن الذين لم يفرقوا بين نوع الكلام وعينه، وقالوا: هو يتكلم بحرف وصوت قديم، قالوا: أولا إنه لا يتكلم بمشيئته وقدرته، ولا تسبق الباء السين، بل لما نادى موسى فقال: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي. إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ، كانت الهمزة والنون وما بينهما موجودا في الأزل، يقارن بعضها بعضا، لم تزل ولا تزال لازمة لذات الله. ثم قال فريق منهم: إن ذلك القديم هو نفس الأصوات المسموعة من القرّاء. وقال بعضهم: بل المسموع صوتان: قديم ومحدث.

وقال بعضهم: أشكال المداد قديمة أزلية. وقال بعضهم: محل المداد قديم أزليّ.

وحكي عن بعضهم أنه قال: المداد قديم أزليّ وأكثرهم يتكلمون بلفظ القديم ولا يفهمون معناه. بل منهم من يظن أنه قديم في علمه. ومنهم من يظن أن معناه متقدم على غيره. ومنهم من يظن أن معنى اللفظ أنه غير مخلوق. ومنهم من لا يميز بين ما يقول. فصار هؤلاء حلولية اتحادية في الصفات. ومنهم من يقول بالحلول والاتحاد في الذات والصفات. وكان منتهى أمر هؤلاء وهؤلاء إلى التعطيل. والصواب في هذا الباب وغيره، مذهب سلف الأمة وأئمتها: أنه سبحانه لم يزل متكلما إذا شاء. وأنه يتكلم بمشيئته وقدرته. وأن كلماته لا نهاية لها. وأنه نادى موسى بصوت سمعه موسى. وإنما ناداه حين أتى. لم يناده قبل ذلك. وأن صوت الرب لا يماثل أصوات العباد، كما أن علمه لا يماثل علمهم. وقدرته لا تماثل قدرتهم. وأنه سبحانه بائن عن مخلوقاته بذاته وصفاته. ليس في مخلوقاته شيء من ذاته وصفاته القائمة بذاته.

ولا في ذاته شيء من مخلوقاته. وأن أقوال أهل التعطيل والاتحاد الذين عطلوا الذات أو الصفات أو الكلام أو الأفعال- باطلة. وأقوال أهل الحلول الذين يقولون بالحلول في الذات والصفات- باطلة. وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع. وقد بسطناها في (الواجب الكبير) . والله أعلم بالصواب. (وقال تقي الدين أيضا في مقالة له في هذا البحث) : أول من أظهر إنكار التكليم والمخالّة الجعد بن درهم في أوائل المائة الثانية. وأمر علماء الإسلام، كالحسن البصريّ وغيره، بقتله. فضحّى به خالد بن عبد الله القسريّ، أمير العراق بواسط. فقال: أيها الناس ضحوا. تقبل الله ضحاياكم. فإني مضحّ بالجعد بن درهم. إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا.

ولم يكلم موسى تكليما. تعالى الله عما يقول الجعد علوّا كبيرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>