للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم نزل فذبحه. وأخذ ذلك عنه الجهم بن صفوان. فأنكر أن يكون الله يتكلم.

ثم نافق المسلمين فأقر بلفظ الكلام وقال: كلامه يخلق في محل كالهواء وورق الشجر. ودخل بعض أهل الكلام أو الجدل، من المنتسبين إلى الإسلام، من المعتزلة ونحوهم، في بعض مقالة الصابئة والمشركين. متعاقبة للجعد والجهم. وكان مبدأ ذلك أن الصابئة في الخلق على قولين: منهم من يقول: إن السموات مخلوقة بعد أن لم تكن. كما أخبرت بذلك الرسل وكتب الله تعالى. ومنهم من ابتدع فقال: بل هي قديمة أزلية. لم تزل موجودة بوجود الأول واجب الوجود بنفسه. ومنهم من قد ينكر الصانع بالكلية. ولهم مقالات كثيرة الاضطراب، في الخلق والبعث والمبدأ والمعاد.

لأنهم لم يكونوا معتصمين بحبل من الله تعالى يجمعهم. والظنون لا تجمع الناس في مثل هذه الأمور. التي تعجز الآراء عن درك حقائقها إلا بوحي من الله تعالى. وهم إنما يناظر بعضهم بعضا بالقياس المأخوذ مقدماته من الأمور الطبيعية السفلية. وقوى الطبائع الموجودة في التراب والماء والهواء. والحيوان والمعدن والنبات. ويريدون بهذه المقدمات السفلية أن ينالوا معرفة الله، وعلم ما فوق السموات. وأول الأمر وآخره. وهذا غلط بيّن. اعترف أساطينهم بأن هذا غير ممكن. وأنهم لا سبيل لهم إلى إدراك اليقين. وأنهم إن يتبعون إلا الظن. فلما كان حال هذه الصائبة المبتدعة الضالة ومن أضلوه من اليهود والنصارى، وكان قد اتصل كلامهم ببعض من لم يهتد بهدى الله الذي بعث به رسله، من أهل الكلام والجدل- صاروا يريدون أن يأخذوا مآخذهم. كما

أخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم بقوله «١» : لتأخذن مأخذ الأمم قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع. قالوا يا رسول الله! فارس والروم؟ قال: ومن الناس إلا فارس والروم؟

فاحتجوا على حدوث العالم بنحو من مسالك هذه الصابئة. وهو الكلام في الأجسام والأعراض. بأن تثبت الأعراض ثم يثبت لزومها للأجسام. ثم حدوثها. ثم يقال ما لا يسبق الحوادث فهو حادث. واعتمد كثير من أهل الجدل على هذا في إثبات حدوث العالم. فلما رأوا أن الأعراض، التي هي الصفات، تدل عندهم على حدوث الموصوف الحامل للأعراض- التزموا نفيها عن الله. لأن ثبوتها مستلزم حدوثه.

وبطلان دليل حدوث العالم الذي اعتقدوا أن لا دليل سواه بل ربما اعتقدوا أنه لا


(١)
أخرجه البخاريّ في: الاعتصام، ١٤- باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم «لتتبعن سنن من كان قبلكم، حديث ٢٥٨٩ ونصه: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها، شبرا بشبر وذراعا بذراع» فقيل: يا رسول الله! كفارس والروم؟ قال «ومن الناس إلا أولئك» ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>