للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا تكلم الله تعالى سمع له صوت كمر السلسلة على الصفوان. قال: وهذه الجهمية تنكره. وهؤلاء كفار يريدون أن يموهوا على الناس. ثم قال: حدثنا المحاربيّ عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبيد الله قال: إذا تكلم الله تبارك وتعالى بالوحي، سمع صوته أهل السماء فيخرون سجدا.

وقال السفارينيّ في (شرح العقيدة) : روى في إثبات الحرف والصوت أحاديث تزيد على أربعين حديثا. وأخرج الإمام أحمد غالبها، واحتج به. وأخرج الحافظ ابن حجر أيضا في (شرح البخاريّ) واحتج بها البخاريّ وغيره من أئمة الحديث. على أن الحق سبحانه يتكلم بحرف وصوت. وقد صححوا هذا الأصل واعتقدوه، واعتمدوا على ذلك، منزهين الله تعالى عما لا يليق بجلاله. من شبهات الحدوث وسمات النقص. كما قالوا في سائر الصفات، معتمدين على ما صح عندهم من صاحب الشريعة المعصوم في أقواله، الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.

وقال الإمام الواسطيّ ابن شيخ الحرمين الشافعيّ في (عقيدته) : إنني: كنت برهة من الدهر متحيرا في ثلاث مسائل: مسألة الصفات، ومسألة الفوقية، ومسألة الحرف والصوت في القرآن المجيد. وكنت متحيرا في الأقوال المختلفة الموجودة في كتب أهل العصر في جميع ذلك. من تأويل الصفات وتحريفها، أو إمرارها والوقوف فيها. أو إثباتها بلا تأويل ولا تعطيل، ولا تشبيه ولا تمثيل. فأجد النصوص في كتاب الله وسنة رسوله ناطقة مبينة لحقائق هذه الصفات. وكذلك في إثبات العلوّ والفوقية، وكذلك في الحرف والصوت. ثم أجد المتأخرين من المتكلمين في كتبهم، منهم من تأول الاستواء بالقهر والاستيلاء. وتأول النزول بنزول الأمر. وتأول اليدين بالنعمتين والقدرتين. وتأول القدم بقدم صدق عند ربهم. وأمثال ذلك. ثم أحدهم مع ذلك يجلون كلام الله معنى قائما بالذات، بلا حرف ولا صوت ويجعلون هذه الحروف عبارة عن ذلك المعنى القائم. ومعنى ذلك إلى هذه الأقوال أو بعضها قوم لهم في صدري منزلة. مثل بعض فقهاء الأشعرية الشافعيين. لأني على مذهب الشافعيّ رحمه الله تعالى، عرفت فرائض ديني وأحكامه. فأجد مثل هؤلاء الأجلة يذهبون إلى مثل هذه الأقوال. وهم شيوخي. ولي فيهم الاعتقاد التام. لعلمهم وفضلهم. ثم إنني مع ذلك أجد في قلبي من هذه التأويلات حزازات لا يطمئن قلبي إليها. وأجد الكدر والظلمة منها. وأجد ضيق الصدر وعدم انشراحه مقرونا بها.

فكنت كالمتحير. المضطرب في تحيره. المتململ من قلبه في تقلبه وتغيره.

وكنت أخاف من إطلاق القول بإثبات العلو والاستواء والنزول، مخافة الحصر

<<  <  ج: ص:  >  >>