للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقام الرسالة لا يتخطاه وَكَلِمَتُهُ أي: مكوّن بكلمته وأمره الذي هو (كن) من غير واسطة أب ولا نطفة أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ أي: أوصلها إليها وحصلها فيها بنفخ جبريل عليه السلام وَرُوحٌ مِنْهُ أي بتخليقه وتكوينه كسائر الأرواح المخلوقة. وإنما أضافه إلى نفسه على سبيل التشريف والتكريم كما يقال: بيت الله، وناقة الله.

وقيل: الروح هو نفخ جبريل عليه السلام في جيب درع مريم. فحملت بإذن الله.

سمى النفخ روحا لأنه ريح تخرج من الروح. وإنما أضافه إلى نفسه لأنه وجد بأمره تعالى وإذنه.

قال أبو السعود: (من) لابتداء الغاية مجازا، لا تبعيضية، كما زعمت النصارى. يحكى أن طبيبا نصرانيّا للرشيد، ناظر عليّ بن حسين الواقديّ المروزيّ ذات يوم، فقال له: إن في كتابكم ما يدل على أن عيسى عليه السلام جزء منه تعالى.

وتلا هذه الآية. فقرأ الواقديّ: وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ [الجاثية: ١٣] . فقال: إذن يلزم أن يكون جميع تلك الأشياء جزءا منه، تعالى علوّا كبيرا. فانقطع النصرانيّ وأسلم. وفرح الرشيد فرحا شديدا، ووصل الواقديّ بصلة فاخرة. وقيل: سمي روحا، لإحيائه الموتى بإذن الله. وقيل: لإحيائه القلوب.

كما سمى به القرآن لذلك، في قوله تعالى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشورى: ٥٢] . وقيل: أريد بالروح الوحي الذي أوحي إلى مريم بالبشارة. وقيل:

جرت العادة بأنهم إذا أرادوا وصف شيء بغاية الطهارة والنظافة، قالوا: إنه روح. فلما كان عيسى عليه السلام متكوّنا من النفخ، لا من النطفة، وصف بالروح. وتقديم كونه عليه السلام رسول الله في الذكر، مع تأخره عن كونه كلمته تعالى وروحا منه، في الوجود- لتحقيق الحق من أول الأمر بما هو نص فيه غير محتمل للتأويل، وتعيين مآل ما يحتمله، وسدّ باب التأويل الزائغ. انتهى.

فَآمِنُوا بِاللَّهِ وخصوه بالألوهية وَرُسُلِهِ أي: جميعهم وصفوهم بالرسالة ولا تخرجوا بعضهم عن سلكهم بوصفه بالألوهية وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ أي: الآلهة ثلاثة: الله، والمسيح، ومريم. كما ينبئ عنه قوله تعالى: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [المائدة: ١١٦] .

وقد ذكر السيد عبد الله الهنديّ في مناظرته مع قسيس الهند حكاية عن مناظره أنه حكى أن فرقة من النصارى تسمى (كولى ري دينس) كانت تقول:

الآلهة ثلاثة: الأب والابن ومريم. قال: ولعل هذا الأمر كان مكتوبا في نسخهم، لأن القرآن كذبهم. انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>