للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرابعة: قال بعض الزيدية: ثمرة الآية تعظيم هذا اليوم المذكور، وأنه يلزم الشكر لله تعالى على التمسك بملّة الإسلام.

وقوله تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ متصل بذكر المحرمات. وما بينهما اعتراض بما يوجب أن يجتنب عنه. وهو أنّ تناولها فسوق، وحرمتها من جملة الدين الكامل، والنعمة التامة، والإسلام المرضيّ. ومعناه: فمن اضطر إلى تناول شيء من هذه المحرمات: الميتة وما بعدها، أي: أصيب بالضر الذي لا يمكنه الامتناع معه من الميتة وما بعدها فِي مَخْمَصَةٍ أي: مجاعة يخاف معها الموت أو مبادئه- و (المخمصة) : مصدر مثل المغضبة والمعتبة. يقال: خمصه الجوع خمصا ومخمصة، وخمص البطن (مثلثة الميم) خلا. غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ أي: غير منحرف إليه بالأكل فوق الضرورة، أو العصيان بالسفر. كقوله تعالى: غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ [البقرة:

١٧٣] . فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لتناوله الحرام- فلا يؤاخذه به رَحِيمٌ أي: بإعطائه الرخصة فيه لعلمه بحاجة عبده المضطر، وافتقاره إلى ذلك، فيتجاوز عنه ويغفر له.

وفي (المسند) «١» و (صحيح) ابن حبان عن ابن عمر- مرفوعا- قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته» . لفظ ابن حيان.

وفي لفظ لأحمد «٢» : «من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة»

. ولهذا قال الفقهاء: قد يكون تناول الميتة واجبا في بعض الأحيان، وهو ما إذا خاف على نفسه ولم يجد غيرها. وقد يكون مندوبا، وقد يكون مباحا، بحسب الأحوال. واختلفوا: هل يتناول منها قدر ما يسد به الرمق، أو له أن يشبع ويتزود؟

على أقوال. وليس من شرط تناول الميتة أن يمضي عليه ثلاثة أيام لا يجد طعاما- كما قد يتوهمه كثير من العوام وغيرهم- بل متى اضطر إلى ذلك جاز له.

وقد روى الإمام أحمد «٣» عن أبي واقد الليثي أنهم قالوا: «يا رسول الله! إنا بأرض تصيبنا بها المخمصة. فمتى تحل لنا بها الميتة؟ فقال: إذا لم تصطبحوا ولم تغتبقوا ولم تحتفئوا بقلا، فشأنكم بها.

إسناده صحيح على شرط الشيخين، والاصطباح: شرب اللبن بالغداة فما دون القائلة، وما كان منه بالعشيّ فهو الاغتباق، ومعنى لم تحتفئوا:

أي تقتلعوا. وفي اللفظة عدة روايات

وروى أبو داود عن الفجيع العامريّ: «٤»

أنه أتى


(١) أخرجه في المسند ٢/ ١٠٨ والحديث رقم ٥٨٧٣. [.....]
(٢) أخرجه في المسند ٢/ ٧١ والحديث رقم ٥٣٩٢.
(٣) أخرجه في المسند ٥/ ٢١٨.
(٤) أخرجه أبو داود في: الأطعمة، ٣٦- باب في المضطر إلى الميتة، حديث ٣٨١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>