للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا [النور: ٥١] . وقال: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: ٢١] . والاستكثار من الاستدلال على وجوب طاعة الله وطاعة رسوله لا يأتي بعائدة. ولا فائدة زائدة، فليس أحد من المسلمين يخالف في ذلك. ومن أنكره فهو خارج عن حزب المسلمين. وإنما أوردنا هذه الآيات الكريمة، والبينات العظيمة تليينا لقلب المقلّد الذي قد جمد، وصار كالجلمد. فإنه إذا سمع مثل هذه الأوامر القرآنية، ربما امتثلها وأخذ دينه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، طاعة لأوامره. فإنّ هذه الطاعة، وإن كانت معلومة لكل مسلم، لكن الإنسان قد يذهل عن القوارع الفرقانية والزواجر المحمدية، فإذا ذكر بها ذكر. ولا سيما من نشأ على التقليد وأدرك سلفه ثابتين عليه غير متزحزحين عنه. فإنه يقع في قلبه، أن دين الإسلام هو هذا الذي هو عليه. وما كان مخالفا له فليس من الإسلام في شيء. فإذا راجع نفسه رجع.

ولهذا تجد الرجل إذا نشأ على مذهب من هذه المذاهب، ثم سمع- قبل أن يتمرد بالعلم ويعرف ما قاله الناس- خلاف ذلك المألوف، استنكره وأباه قلبه، ونفر عنه طبعه. وقد رأينا وسمعنا من هذا الجنس ما لا يأتي عليه الحصر. ولكن إذا وازن العاقل بعقله، بين من اتبع أحد ائمة المذاهب في مسألة من مسائله التي رواها عنه المقلّد- ولا مستند لذلك العالم فيها، بل قالها بمحض الرأي لعدم وقوفه على الدليل- وبين من تمسك في تلك المسألة بخصوصها بالدليل الثابت في القرآن والسنة أفاده العقل بأن بينهما مسافات تنقطع فيها أعناق الإبل، لا جامع بينهما، لأنّ من تمسك بالدليل أخذ بما أوجب الله عليه الأخذ به، واتبع ما شرعه الشارع لجميع الأمة: أولها وآخرها، وحيّها وميتها ... ! والعالم يمكنه الوقوف على الدليل من دون أن يرجع إلى غيره. والجاهل يمكنه الوقوف على الدليل بسؤال علماء الشريعة، واسترواء النص، وكيف حكم الله في محكم كتابه أو على لسان رسوله في تلك المسألة. فيفيدونه النص إن كان ممن يعقل الحجة إذا دل عليها، أو يفيدونه مضمون النص بالتعبير عنه بعبارة يفهمها. فهم رواة وهو مسترو، وهذا عامل بالرواية لا بالرأي والمقلد عامل بالرأي لا بالرواية. لأنه يقبل قول الغير من دون أن يطالبه بحجة. وذلك في سؤاله يطالب بالحجة لا بالرأي، فهو قابل لرواية الغير لا لرأيه. وهما من هذه الحيثية متقابلان، فانظر كم الفرق بين المنزلتين؟ والكلام في ذلك يطول ويستدعي استغراق الأوراق الكثيرة. وهو مبسوط في مواطنه، وفيما ذكرناه مقنع وبلاغ، وبالله التوفيق. انتهى كلامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>