وظاهر هذه الأحاديث، أنه صلى الله عليه وسلم كان أمر بقتلها كلها. ثم رخص في استبقائها.
إلّا الأسود فإنه مستحق القتل.
وقول إمام الحرمين: ثم استقر الشرع على النهي عن قتل جميع الكلاب حيث لا ضرر فيها حتى الأسود البهيم- يحتاج إلى برهان.
قال ابن عبد البر: في هذه الأحاديث إباحة اتخاذ الكلب للصيد والماشية.
وكذلك للزرع. لأنها زيادة حافظ. وكراهة اتخاذها لغير ذلك. إلّا أنه يدخل في معنى الصيد وغيره مما ذكر، اتخاذها لجلب المنافع ودفع المضارّ قياسا، فتمحض كراهة اتخاذها لغير حاجة، لما فيه من ترويع الناس، وامتناع دخول الملائكة إلى البيت الذي الكلاب فيه.
ثم قال: ووجه الحديث عندي أن المعاني المتعبد بها في الكلاب. من غسل الإناء سبعا، لا يكاد يقوم بها المكلف ولا يتحفظ منها، فربما دخل عليه باتخاذها ما ينقص أجره من ذلك.
وروي أن المنصور بالله سأل عمرو بن عبيد عن سبب هذا الحديث؟ فلم يعرفه. فقال المنصور: لأنه ينبح الضيف ويروّع السائل. انتهى.
وقال الخطابي: معنى (
قوله صلى الله عليه وسلم: لولا أن الكلاب أمة من الأمم ...
إلخ) . أنه صلى الله عليه وسلم كره إفناء أمة من الأمم وإعدام جيل من الخلق، لأنه ما من خلق لله تعالى إلّا وفيه نوع من الحكمة وضرب من المصلحة. يقول: إذا كان الأمر على هذا، ولا سبيل إلى قتلهن، فاقتلوا أشرارهن وهي السود البهم. وأبقوا ما سواها لتنتفعوا بهنّ في الحراسة» .
وقال الطيبي:
قوله «أمّة من الأمم»
إشارة إلى قوله تعالى. وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ [الأنعام: ٣٨] . أي: أمثالكم في كونها دالة على الصانع ومسبحة له. قال تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء: ٤٤] . أي: يسبح بلسان القال أو الحال. حيث يدل على الصانع وعلى قدرته وحكمته وتنزيهه عمّا لا يجوز عليه، فبالنظر إلى هذا المعنى، لا يجوز التعرض لها بالقتل والإفناء. ولكن إذا كان لدفع مضرة- كقتل الفواسق الخمس- أو جلب منفعة- كذبح الحيوانات المأكولة- جاز ذلك.
الثاني: ذهب جمهور الصحابة والتابعين والأئمة إلى أنّ الجوارح التي يحل