للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخامس: أريد ب (أهل الكتاب) اليهود والنصارى ومن دخل في دينهم من سائر الأمم قبل مبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم. وأما من دخل في دينهم بعد مبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم- وهم متنصّرو العرب من بني تغلب- فلا تحلّ ذبيحته. روي عن عليّ بن أبي طالب قال: لا تأكل من ذبائح نصارى بني تغلب. فإنهم لم يتمسكوا بشيء من النصرانية إلّا بشرب الخمر. وبه قال ابن مسعود. وسئل ابن عباس عن ذبائح نصارى العرب؟

فقال لا بأس به. ثم قرأ: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة: ٥١] . وهذا قول الحسن وعطاء والشعبيّ وعكرمة وقتادة والزهريّ والحكم وحماد- كذا في (اللباب) .

قال ابن كثير: وأما المجوس فإنهم- وإن أخذت منهم الجزية تبعا وإلحاقا لأهل الكتاب- فإنه لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم. خلافا لأبي ثور، إبراهيم بن خالد الكلبيّ (أحد الفقهاء من أصحاب الشافعيّ، وأحمد بن حنبل) ولما قال ذلك، واشتهر عنه، أنكر عليه الفقهاء ذلك. حتى قال عنه الإمام أحمد: أبو ثور كاسمه- يعني في هذه المسألة- وكأنه تمسك بعموم

حديث روي مرسلا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال «١» : سنوا بهم سنة أهل الكتاب.

ولكن لم يثبت بهذا اللفظ. وإنما الذي في (صحيح) البخاريّ «٢» عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر. ولو سلم صحة هذا الحديث، فعمومه مخصوص بمفهوم هذه الآية وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ فدلّ بمفهومه مفهوم المخالفة، على أن طعام من عداهم من أهل الأديان لا يحل ... !

السادس: قيل: هذه الآية تقتضي إباحة ذبائح أهل الكتاب مطلقا، وإن ذكروا غير اسم الله تعالى. وعن ابن عمر: لو ذبح يهوديّ أو نصراني على غير اسم الله تعالى، لا يحل ذلك. وهو قول ربيعة. وسئل الشعبيّ وعطاء، عن النصرانيّ يذبح باسم المسيح؟ فقال: يحلّ. فإن الله تعالى قد أحلّ ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون.

وقال الحسن: إذا ذبح اليهوديّ أو النصراني وذكر غير اسم الله، وأنت تسمع، فلا


(١) أخرجه مالك في الموطأ في: الزكاة، حديث ٤٢.
(٢) أخرجه البخاري في: الجزية، ١- باب الجزية والموادعة مع أهل الحرب، حديث ١٤٩٢ ونصه:
عن بجالة قال: كنت كاتبا لجزء بن معاوية، عم الأحنف. فأتانا كتاب عمر بن الخطاب، قبل موته بسنة: فرّقوا بين كل ذي محرم من المجوس.
ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس، حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>