للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزمخشريّ: لا يجوز أن يكون الأمر في الآية شاملا للمحدثين وغيرهم- لهؤلاء على وجه الإيجاب، ولهؤلاء على وجه الندب- لأن تناول الكلمة لمعنيين مختلفين من باب الإلغاز والتعمية. وفي (الانتصاف) : من جوز أن يراد بالمشترك كلّ واحد من معانيه على الجمع، أجاز ذلك في الآية. ومن المجوزين لذلك الشافعي- رحمه الله تعالى- وناهيك بإمام الفنّ وقدوته. وإذا وقع البناء على أن صيغة (أفعل) مشتركة بين الوجوب والندب، صحّ تناولها في الآية للفريقين المحدثين والمتطهرين.

وتناولها للمتطهرين من حيث الندب، والله أعلم.

الثالثة: قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : تمسك بهذه الآية من قال: إنّ الوضوء أول ما فرض بالمدينة، فأمّا ما قبل ذلك، فنقل ابن عبد البرّ اتفاق أهل السير على أن غسل غسل الجنابة إنما فرض على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة. كما فرضت الصلاة. وأنه لم يصلّ قط إلّا بوضوء قال: وهذا مما لا يجهله عالم.

وقال الحاكم في (المستدرك) : وأهل السنة بهم حاجة إلى دليل الردّ على من زعم أن الوضوء لم يكن قبل نزول آية المائدة. ثم ساق

حديث ابن عباس: دخلت فاطمة على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاهدوا ليقتلوك! فقال: ائتوني بوضوء فتوضأ ... الحديث.

قال ابن حجر: وهذا يصلح ردا على من أنكر وجود الوضوء قبل الهجرة، لا على من أنكر وجوبه حينئذ. وقد جزم ابن الحكم المالكيّ بأنه كان قبل الهجرة مندوبا، وجزم ابن حزم بأنه لم يشرع إلّا بالمدينة، وردّ عليهما بما أخرجه ابن لهيعة في (المغازي) التي يرويها عن أبي الأسود- يتيم عروة- عنه أن جبريل علّم النبيّ صلى الله عليه وسلم الوضوء عند نزوله عليه بالوحي. وهو مرسل ووصله أحمد «١» من طريق ابن لهيعة أيضا. لكن قال: عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد عن أبيه، وأخرجه ابن ماجة «٢» من رواية رشدين بن سعد، عن عقيل، عن الزهريّ، نحوه. لكن لم يذكر زيد بن حارثة في السند، وأخرجه الطبرانيّ في (الأوسط) من طريق الليث عن عقيل موصولا، ولو ثبت لكان على شرط الصحيح، لكن المعروف رواية ابن لهيعة. انتهى.

أي: وابن لهيعة يضعف في الحديث.


(١) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٤/ ١٦١. [.....]
(٢) أخرجه ابن ماجة في: الطهارة، ٥٨- باب ما جاء في النضح بعد الوضوء، حديث ٤٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>