للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد روى ابن جرير «١» عن ابن سيرين، أن الخلفاء كانوا يتوضؤون لكل صلاة.

وعن عكرمة: أن عليّا- رضي الله عنه- كان يتوضأ عند كل صلاة، ويقرأ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ الآية

،

وعن النزال بن سبرة قال: رأيت عليّا صلى الظهر. ثم قعد للناس في الرحبة. ثم أتى بماء فغسل وجهه ويديه. ثم مسح برأسه ورجليه وقال: هذا وضوء من لم يحدث

،

وفي رواية: إنه توضأ وضوءا فيه تجوّز فقال: هذا وضوء من لم يحدث

وكذا حكى أنس عن عمر انه فعله، والطرق كلها جيدة. وأما ما رواه أبو داود الطيالسي عن سعيد بن المسيب أنه قال: الوضوء من غير حدث اعتداء- فهو غريب عنه. ثم هو محمول على من اعتقد وجوبه، وأما مشروعيته استحبابا فقد دلت السنة على ذلك. روى الإمام أحمد عن أنس قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كلّ صلاة. قيل له: فأنتم كيف تصنعون؟ قال: كنا نصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم نحدث! ورواه البخاري «٢» وأهل السنن أيضا.

وروى أبو داود «٣» والترمذي وابن ماجة وابن جرير عن ابن عمر مرفوعا: من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات

. وضعفه الترمذي.

وإذا دلت هذه الأحاديث على أن الوضوء لا يجب إلّا على المحدث، فالوجه في الخروج من ظاهر الآية، أن الخطاب فيه خاص بالمحدثين.

وفي (العناية) : الإجماع صرفها عن ظاهرها. فأما أن تكون مقيدة- أي وأنتم محدثون- بقرينة دلالة الحال، ولأنه اشترط الحدث في البدل وهو التيمم- فلو لم يكن له مدخل في الوضوء، مع المدخلية في التيمم، لم يكن البدل بدلا. وقوله فَلَمْ تَجِدُوا ماءً صريح في البدلية. وقيل: في الكلام شرط مقدر. أي: إذا قمتم إلى الصّلاة. إن كنتم محدثين. وإن كنتم جنبا فاطهروا. وهو قريب جدّا. انتهى.

وزعم بعضهم أن الوجوب على كل قائم للصلاة كان في أول الأمر ثم نسخ.

واستدلّ على ذلك بحديث عبد الله بن حنظلة المتقدم. ونظر فيه بحديث: (المائدة من آخر القرآن نزولا) وأجيب بأن الحافظ العراقي قال: لم أجده مرفوعا. هذا، وقال


(١) الأثر رقم ١١٣٢٤.
(٢) أخرجه البخاري في: الوضوء، ٥٤- باب الوضوء من غير حدث، حديث ١٦٣.
(٣) أخرجه أبو داود في: الطهارة، ٣٢- باب الرجل يجدد الوضوء من غير حدث، حديث ٦٢.
والترمذي في: الطهارة، ٤٤- باب الوضوء لكل صلاة.
وابن ماجة في: الطهارة، ٧٣- باب الوضوء على الطهارة، حديث ٥١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>