ومثل هذا قوله تعالى: عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ... [النبأ: ١- ٥] ، زجرهم ب «كلا» الأولى عن التساؤل والاختلاف، ثم أكد كلّا الأولى بكلّا الثانية وتهددهم فيما بينهما بقوله بعد: سَيَعْلَمُونَ ثم أكد هذا التهديد بقوله بعد: (كلا) الثانية سَيَعْلَمُونَ.
وأما تكرير قوله: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات: ١٩- ٢٤- ٢٨] ، فيجوز أن يكون ما عدا الكلمة الأولى تأكيدا لها، وأن تتكرر العدة بالويل على من كذب، بقوله: إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ. ويجوز أن يريد بكلّ عدة من عذاب الويل من كذب بما بين عدتي كل ويل.
وأما قوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [الرحمن: ١٣- ١٦- ١٨] فيجوز أن تكون مكررة على جميع أنعمه، ويجوز أن يراد بكل واحدة منهنّ ما وقع بينها وبين التي قبلها من نعمة، ويجوز أن يراد بالأولى ما تقدمها من النعم، وبالثانية ما تقدّمها، وبالثالثة ما تقدم على الأولى والثانية، وبالرابعة ما تقدم على الأولى والثانية والثالثة ...
قلنا: هذه كلها نعم جسام، لأن الله هدد العباد بها استصلاحا لهم ليخرجوا من حيز الكفر والطغيان والفسوق والعصيان، إلى حيّز الطاعة والإيمان والانقياد والإذعان، فإن من حذّر من طرق الردى وبيّن ما فيها من الأذى، وحثّ على طرق السلامة الموصلة إلى المثوبة والكرامة، كان منعما غاية الإنعام، ومحسنا غاية الإحسان.
ومثل ذلك قوله: هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ [يس: ٥٢] ، وعلى هذا تصلح فيه مناسبة الربط بذكر صفة الرحمة في ذلك المقام.
وأما قوله: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ [الرحمن: ٢٦] فإنه تذكير بالموت والفناء للترغيب في الإقبال على العمل لدار البقاء، وفي الإعراض عن دار الفناء.