[الروم: ٤٩] ، فإن تقديره عند بعضهم: وإن كانوا من قبل إنزال القطر عليهم، من قبل إنزاله، لمبلسين. فأكد قَبْلِ الأولى ب قَبْلِ الثانية. وهذا لا اهتمام فيه، فإنه معلوم أن اليأس من نزول المطر كان محققا قبل الإنزال، فلا حاجة- في مثل هذا- إلى التأكيد.
وقدّر آخرون: وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبل إرسال الرياح، أو من قبل إثارة السحاب لمبلسين، فعلى هذا لا يكون تكريرا ولا تأكيدا.
وعود الضمائر إلى المصادر التي دلت عليها الأفعال، ولم تذكر معها- كثير في القرآن وفصيح الكلام. مثاله: قوله: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [المائدة: ٨] فعاد الضمير إلى العدل الذي دلّ عليه اعْدِلُوا.
ومثله قوله: فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً [المائدة: ١٠٦] ، أي: لا نشتري بالقسم الذي دلّ عليه قوله: فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ.
وأما قوله: إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى [الليل: ١٢] ، ففيه ثلاث تأكيدات:(أحدها) إنّ، و (الثاني) اللام في للهدى، و (الثالث) تقديم الخبر، فإن العرب لا يقدمون إلا ما يعتنون به ويهتمون. ومثله قوله إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ [الأنعام: ٩٩] ، وقوله:
وقد يتوهم التأكيد فيما ليس بتأكيد في مثل قوله تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ [البقرة: ١٩٦] ، فإنه لم يرد كمالها في العدد، ولو أراده لكان تأكيدا، وإنما أراد كمالها في صفتها، فإن كمال الصيام في تتابعه. بدليل وجوب المتابعة حيث أمرنا بها فيه، فلما تقرر في الشريعة أن متابعة الصوم أفضل من تفريقه، وقيدت هذه الأيام بالتفريق، فقد يظن ظانّ أنها ناقصة لتفريقها، وأن كمالها في تتابعها- أخبر أن كمال هذه الأيام في تفريقها لا في تتابعها. ويحتمل أن يريد، بالكاملة، كمال الصوم بترك الرفث والفسوق، وترك المشاتمة، وغير ذلك مما يكون اجتنابه أو فعله مكملا للصوم، فإن العبادات تنقسم إلى كاملة وناقصة. فالناقصة ما اقتصر فيها على أركانها وشرائطها، والكاملة ما أتى فيها بالأركان والشرائط والسنن.
وأعلم أن للتفسير أحكاما وضروبا، فمن ذلك:
فهم معنى اللفظ: وهو منقسم إلى ثلاثة أقسام: (أحدها) ما يعرفه العامة والخاصة كالأرض والسماء والجبال والأشجار والأمطار. (القسم الثاني) ما يعرفه معظم الخاصة كالمعاد والملاذ. (القسم الثالث) ما يعرفه القليل من الخاصة كالرفرف والصفصف.