ومن ضروب التفسير ما يتردد بين محملين: أحدهما أظهر عند النزول فيرجع فيه إلى الصحابة والتابعين، ويحمل على ظاهره حينئذ. ومنه ما يحمل على أخفى محمليه لدليل يقوم عليه. ومنه ما يتساوى فيه الأمران فيخص أحدهما بالسبب الذي نزل لأجله. ومنه ما يتساوى من غير ترجيح عندنا وهو راجح في نفس الأمر، لأن الرسول عليه السلام قد بيّن للناس ما نزل إليهم، فبعض المتأخرين يحمله على جميع محامله. والوقف أولى به.
وقد يتردد بين محامل كثيرة يتساوى بعضها مع بعض، يترجح بعضها على بعض.
وأولى الأقوال: ما دلّ عليه الكتاب في موضع آخر، أو السنة، أو إجماع الأمة، أو سياق الكلام، وإذا احتمل الكلام معنيين وكان حمله على أحدهما أوضح وأشد موافقة للسياق- كان الحمل عليه أولى. وقد يقدر بعض النحاة ما يقتضيه علم النحو. لكن يمنع منه أدلّة شرعية، فيترك ذلك التقدير، ويقدر تقدير آخر يليق بالشرع. وقد يعبّر النحاة والمفسرون وغيرهم بالعام ويريدون به الخاص فيجهله كثير من الناس. وعلى الجملة: فالقاعدة في ذلك أن يحمل القرآن على أصح المعاني وأفصح الأقوال، فلا يحمل على معنى ضعيف، ولا على لفظ ركيك. وكذلك لا يقدر فيه من المحذوفات إلا أحسنها وأشدها موافقة وملائمة للسياق. وإذا كان للاسم الواحد معان ك الْعَزِيزُ بمعنى القاهر، وبمعنى الممتنع، وبمعنى الذي لا نظير له، حمل في كل موضع على ما يقتضيه ذلك السياق كيلا ينبتر الكلام وينخرم النظام. وإذا اتحد معنى القراءتين- كالسراط والصراط- فهذا ظاهر. وإن اختلف معناهما وجب القطع بأنهما مرادتان. مثال ذلك قوله: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ ويَكْذِبُونَ [البقرة: ١٠] ، أخبر بأنهم يعذبون بالتكذيب والكذب، وهذا اختصار في صورة الخط، دون اللفظ.
ومن ضروب التفسير وأحكامه: بيان كون اللفظ حقيقة أو مجازا. ومنه: بيان رجحان إحدى الحقيقتين على الأخرى. ومنه: بيان رجحان أحد المجازين على الآخر. ومنه: بيان ترجيح الحقيقة على المجاز. ومنه: بيان ترجيح ما يناسب الكلام ويطابقه على ما ليس كذلك. ومنه: ترجيح بعض الإعراب على بعض. ومنه: بيان التقديم والتأخير. ومنه: بيان مظان الإطالة. ومنه: بيان مظان الاختصار. وفائدة الاختصار، سهولته على المتكلم، وإيصال المعنى على الفور إلى المخاطب. كقوله