للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك. والقتل المشروع هو ضرب الرقبة بالسيف ونحوه. لأن ذلك أوحى (أي:

أسرع) أنواع القتل. وكذلك شرع الله قتل ما يباح قتله من الآدميين والبهائم إذا قدر عليه على هذا الوجه.

قال النبي صلى الله عليه وسلم «١» : «إن الله كتب الإحسان على كلّ شيء. فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة. وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبح. وليحدّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته» . رواه مسلم.

وقال «٢» : «إنّ أعف الناس قتلة أهل الإيمان»

. وأما الصلب المذكور فهو رفعهم على مكان عال ليراهم الناس ويشتهر أمرهم، وهو بعد القتل، عند جمهور العلماء. ومنهم من قال: يصلّبون ثم يقتلون وهم مصلوبون. وقد جوّز بعض الفقهاء قتلهم بغير السيف حتى قال: يتركون على المكان العالي حتى يموتوا حتف أنوفهم بلا قتل.

الخامسة: تتمة الآية. أعني قوله تعالى ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ تدل على أن المحاربين يعاقبون في الدنيا والآخرة مطلقا. ولا يكون الحدّ المذكور طهرة لهم، ولو كانوا مسلمين.

قال السيوطي في (الإكليل) : قال ابن الفرس: ظاهره أن عقوبة المحارب لا تكون كفارة له، كما تكون في سائر الحدود.

وقال العارف الشعراني في (ميزانه) : سمعت شيخنا، شيخ الإسلام زكريا رحمه الله يقول: لم يرد لنا أن أحدا يؤخذ بذنبه في الدنيا والآخرة معا، إلّا المحاربين، لقوله تعالى فيهم: ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ.. الآية.

وقال ابن كثير: هذا يرجح رواية نزولها في المشركين. فأما أهل الإسلام

ففي (صحيح مسلم) «٣» عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أخذ على النساء، ألّا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا يعضه بعضنا بعضا. فمن وفي منكم فأجره على الله تعالى، ومن أتى منكم حدّا فأقيم عليه فهو كفارته، ومن ستره الله فأمره إلى الله. إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له» .

السادسة:

دلّ قوله تعالى إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ على أن توبة المحاربين، قبل الظفر بهم، تسقط عنهم حدّ المحاربين المذكور في الآية. سواء


(١) أخرجه مسلم في: الصيد والذبائح، حديث ٥٧ عن شدّاد بن أوس.
(٢) أخرجه أبو داود في: الجهاد، ١١٠- باب في النهي عن المثلة، حديث ٢٦٦٦.
(٣) أخرجه مسلم في: الحدود، حديث ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>