للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن يك كاذبا تدركه ذنوبه) . فأقام الرجل ما شاء الله، ثم إنه خرج فأدركه الله بذنوبه فقتله. ثم قال ابن جرير «١» : حدثني علي، حدثنا الوليد بن مسلم، قال: قال الليث.

وكذلك حدثني موسى بن إسحاق المدني، وهو الآمر عندنا، أنّ عليا الأسدي حارب وأخاف السبيل، وأصاب الدم والمال، فطلبه الأئمة والعامة، فامتنع ولم يقدر عليه حتى جاء تائبا، وذلك أنه سمع رجلا يقرأ هذه الآية: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: ٥٣] . فوقف عليه فقال: يا عبد الله! أعد قراءتها. فأعادها عليه.

فغمد سيفه ثم جاء تائبا حتى قدم المدينة من السّحر. فاغتسل. ثم أتى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فصلّى الصبح ثم قعد إلى أبي هريرة في غمار أصحابه. فلما أسفر عرفه الناس فقاموا إليه. فقال: لا سبيل لكم علي. جئت تائبا من قبل أن تقدروا علي. فقال أبو هريرة: صدق. وأخذ بيده أبو هريرة حتى أتى مروان بن الحكم- في إمرته على المدينة في زمن معاوية- فقال: هذا علي جاء تائبا ولا سبيل لكم عليه ولا قتل. قال، فترك من ذلك كله.

قال: وخرج علي تائبا مجاهدا في سبيل الله في البحر. فلقوا الروم. فقرّبوا سفينته إلى سفينة من سفنهم. فاقتحم على الروم في سفينتهم. فهزموا منه إلى سفينتهم الأخرى. فمالت بهم وبه. فغرقوا جميعا.

هذا، وفي تفسير بعض الزيدية- نقلا عن زيد والنفس الزكية والمؤيد بالله وأبى حنيفة ومالك والشافعي- أنّ توبة المحارب تسقط الحدود لله، دون حقوق بني آدم من قتل أو مال، لقوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى [البقرة: ١٧٨] . وقوله: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة: ٤٥] .

وقوله تعالى: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً [الإسراء: ٣٣] .

وقوله صلى الله عليه وسلم: «على اليد ما أخذت حتى ترد» «٢»

وقوله عليه الصلاة والسلام «لا يحل مال امرئ مسلم إلّا بطيبة من نفسه» .

قال في (شرح الإبانة) : وروى زيد بن عليّ بإسناده إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّ قاطع الطريق، إذا تاب قبل أن يؤخذ وظفر به الإمام. ضمن المال واقتص منه. ثم قال: أما الكافر فلا خلاف أن توبته تسقط عنه جميع الحدود.

انتهى.


(١) الأثر رقم ١١٨٨٩ من التفسير.
(٢)
أخرجه الترمذي في: البيوع، ٣٩- باب ما جاء في أن العارية مؤداة، ونصه: عن سمرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» .

<<  <  ج: ص:  >  >>