النصاب عشرة دراهم مضروبة غير مغشوشة. واحتجوا بأن ثمن المجنّ الذي قطع فيه السارق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ثمنه عشرة دراهم،
وقد روى أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا ابن نمير وعبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقطع يد السارق في دون ثمن المجنّ.
وكان ثمن المجنّ عشرة دراهم. قالوا: فهذا ابن عباس وعبد الله بن عمرو قد خالفا ابن عمر في ثمن المجنّ. فالاحتياط الأخذ بالأكثر، لأن الحدود تدرأ بالشبهات.
وذهب بعض السلف إلى أنه تقطع يد السارق في عشرة دراهم أو دينار أو ما بلغ قيمة واحد منهما. يحكى هذا عن علي وابن مسعود وإبراهيم النخعي وأبي جعفر الباقر، رحمهم الله تعالى.
وقال بعض السلف: لا تقطع الخمس إلّا في خمس. أي في خمسة دنانير أو خمسين درهما. وينقل هذا عن سعيد بن جبير رحمه الله.
وقد أجاب الجمهور- عما تمسك به الظاهرية من حديث أبي هريرة: يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده- بأجوبة:(أحدها) أنه منسوخ بحديث عائشة. وفي هذا نظر لأنه لا بد من بيان التاريخ. و (الثاني) أنه مؤول ببيضة الحديد وحبل السفن. قاله الأعمش فيما حكاه البخاري «١» وغيره عنه. و (الثالث) أن هذه وسيلة إلى التدرج في السرقة من القليل إلى الكثير الذي تقطع فيه يده.
ويحتمل أن يكون هذا خرج مخرج الإخبار عما كان الأمر عليه في الجاهلية حيث كانوا يقطعون في الكثير والقليل. فلعن السارق يبذل يده الثمينة في الأشياء المهينة.
وقد ذكروا أن أبا العلاء المعرّى، لما قدم بغداد، اشتهر عنه أنه أورد إشكالا على الفقهاء في جعلهم نصاب السرقة ربع دينار، ونظم في ذلك شعرا فقال:
يد بخمس مئين عسجد وديت ... ما بالها قطعت في ربع دينار؟
وقد أجابه الناس في ذلك فكان جواب القاضي عبد الوهاب المالكي رحمه الله أنه قال: لما كانت أمينة، كانت ثمينة. ولما خانت هانت، ومنهم من قال: هذا من تمام الحكمة والمصلحة وأسرار الشريعة العظيمة. فإن في باب الجنايات، ناسب
(١) أخرجه البخاري في: الحدود، ٧- باب لعن السارق إذا لم يسمّ. ونصه: قال الأعمش: كانوا يرون أنه بيض الحديد. والحبل، كانوا يرون أنه منها ما يسوى دراهم.