للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مالك رحمه الله: وقطع عثمان رضي الله عنه في أترجة قوّمت بثلاثة دراهم. وهو أحب ما سمعت في ذلك.

قال أصحاب مالك: ومثل هذا الصنيع يشتهر ولم ينكر. فمن مثله يحكي الإجماع السكوتي. وفيه دلالة على القطع في الثمار، خلافا للحنفية، وعلى اعتبار ثلاثة دراهم خلافا لهم في أنه لا بد من عشرة دراهم، وللشافعية في اعتبار ربع دينار، والله أعلم. وذهب الشافعي رحمه الله إلى أن الاعتبار في قطع يد السارق بربع دينار أو ما يساويه من الأثمان أو العروض فصاعدا، والحجة في ذلك ما

أخرجه الشيخان «١» من طريق الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا.

ولمسلم «٢» عنها أيضا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقطع يد السارق إلّا في ربع دينار فصاعدا

. قال الشافعية: هذا الحديث فاصل في المسألة، ونصّ في اعتبار ربع الدينار لا ما سواه. قالوا: وحديث ثمن المجنّ، وإن كان ثلاثة دراهم، لا ينافي هذا، لأنه إذ ذاك كان الدينار باثني عشر درهما. فهي ثمن ربع دينار فأمكن الجمع بهذا الطريق. ويروى هذا المذهب عن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. وبه يقول عمر بن عبد العزيز والليث والأوزاعي وإسحاق (في رواية عنه) وأبو ثور وداود الظاهري، رحمهم الله.

وذهب الإمام أحمد وإسحاق (في رواية) إلى أنّ كل واحد من ربع الدينار والثلاثة دراهم مردّ شرعي. فمن سرق واحدا منهما أو ما يساويه قطع، عملا بحديث ابن عمر وبحديث عائشة. ووقع

في لفظ عند الإمام أحمد «٣» عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك.

وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم، والدينار اثني عشر درهما.

وفي لفظ للنسائي «٤» : لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن. قيل لعائشة: ما ثمن المجنّ؟ قالت: ربع دينار

. فهذه كلها نصوص دالة على عدم اشتراط عشرة دراهم، والله أعلم.

وأما الإمام أبو حنيفة وأصحابه، وكذا سفيان الثوري، فإنهم ذهبوا إلى أن


(١) أخرجه البخاري في: الحدود، ١٣- باب قوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما، حديث ٢٥١٠.
ومسلم في: الحدود، حديث ١- ٣.
(٢) أخرجه مسلم في: الحدود، حديث ٤.
(٣) أخرجه في المسند ٦/ ٨٠.
(٤) أخرجه النسائي في: السارق، ٩- باب ذكر الاختلاف على الزهري.

<<  <  ج: ص:  >  >>