مؤمن، فهي من لوازم الإيمان وشروطه، والناس فيها متفاوتون بحسب تفاوت إيمانهم، وإذا كان كذلك، وجب تفسير محبة العبد لله بمعناها الحقيقيّ لغة، وكانت الطاعة والموافقات كالمسبب عنها والمغاير لها. ألا ترى إلى الأعرابيّ الذي سأل عن الساعة؟
فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها كبير عمل.
ولكن حب الله ورسوله. فقال عليه الصلاة والسلام: أنت مع من أحببت.
فهذا الحديث ناطق بأن المفهوم من المحبة لله غير الأعمال والتزام الطاعات، لأن الأعرابيّ نفاها وأثبت الحب، وأقره عليه الصلاة والسلام على ذلك. ثم إذا ثبت إجراء محبة العبد لله تعالى على حقيقتها لغة، فالمحبة في اللغة. إذا تأكدت سميت عشقا، فمن تأكدت محبته لله تعالى، وظهرت آثار تأكدها عليه من استيعاب الأوقات في ذكره وطاعته- فلا تمنع أن تسمى محبته عشقا، إذ العشق ليس إلا المحبة البالغة.
انتهى.
الثالث: قوله تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ.
قال ابن كثير: هذه صفات المؤمنين الكمل، أن يكون أحدهم متواضعا لأخيه ووليّه، متعززا على خصمه وعدوّه، كما قال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ [الفتح: ٢٩] .
قال الزمخشريّ: فإن قلت: هلا قيل: أذلة للمؤمنين؟ قلت فيه وجهان:
(أحدهما) أن يضمن الذل معنى الحنوّ والعطف كأنه قيل: عاطفين عليهم على وجه التذلل والتواضع. و (الثاني) أنهم- مع شرفهم وعلوّ طبقتهم وفضلهم على المؤمنين- خافضون لهم أجنحتهم. وقرئ (أذلة وأعزة) بالنصب على الحال.
وفي (الحواشي) : أن قوله تعالى: أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ تكميل. لأنه لما وصفهم بالتذلل، ربما توهم أن لهم في نفسهم حقارة. فقال: ومع ذلك هم أعزة على الكافرين، كقوله:
جلوس في مجالسهم رزان ... وإن ضيف ألمّ بهم خفوف
واستدل بالآية على فضل التواضع للمؤمنين والشدة على الكفار.
الرابعة: قوله تعالى: وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ.
قال الزمخشريّ: يحتمل أن تكون (الواو) للحال على معنى: أنهم يجاهدون، وحالهم في المجاهدة خلاف حال المنافقين، فإنهم كانوا موالين لليهود. فإذا خرجوا