الرويّ مختلفا فيقولون: في موضع كَرِيماً، وفي موضع آخر، حَدِيثاً، وفي موضع ثالث بَصِيراً فإن التزم في هذه الصورة موافقة الرويّ، كان من قبيل التزام ما لا يلزم. كما وقع في أوائل سورة مريم وسورة الفرقان.
وكذلك توافق الآيات بحرف قبل الميم في سورة القتال:(سورة محمد صلّى الله عليه وسلّم) والنون في سورة الرحمن يفيد لذة كما لا يخفى. وكذلك إعادة جملة بعد طائفة تفيد لذة. كما وقع في سورة الشعراء وسورة القمر وسورة الرحمن وسورة المرسلات، وقد تخالف فواصل آخر السورة أولها لتطريب ذهن السامع وللإشعار بلطافة ذلك الكلام مثل إِدًّا وهَدًّا في آخر سورة مريم، ومثل سَلاماً وكِراماً في آخر سورة الفرقان، وطِينٍ وساجِدِينَ والْمُنْظَرِينَ في آخر سورة ص.
مع أن أوائل هذه السور مبنية على فاصلة أخرى كما لا يخفى. فجعل الوزن والقافية المذكوران في أكثر السور من المهمات. إن كان اللفظ الأخير من الآية صالحا للقافية فيها. وإلّا وصل بجملة فيها وبين آلاء الله أو تنبيه للمخاطب. كما يقول وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ، وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً، وكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، (إن في ذلك لآيات لأولي الألباب) ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وقد أطنب في مثل هذه المواضع أحيانا مثل فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً، ويستعمل التقديم والتأخير مرة، والقلب والزيادة أخرى. مثل إِلْ ياسِينَ في إلياس، وطُورِ سِينِينَ في سيناء. وليعلم هاهنا أن انسجام الكلام وسهولته على اللسان لكونه مثلا سائرا، أو لتكرر ذكره في الآية- ربما يجعل الكلام الطويل موزونا مع الكلام القصير. وقد تكون الفقر الأول أقصر من الفقر التالية، وهو يفيد عذوبة في الكلام. خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ [الحاقة: ٣٠- ٣٢] ، كأن المتكلم يقدر في مثل هذا الكلام أن الفقرة الأولى والثانية، من حيث المجموع، في كفّة، والثالثة، وحدها، في كفة.
وربما تكون الآية ذات قوائم ثلاث نحو: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ [آل عمران: ١٠٦] ، الآية. وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ ... [آل عمران: ١٠٧] الآية. والعامة يصلون الأول بالثاني فيحسبون الآية طويلة. وقد تجيء في آية فاصلتان كما يكون في البيت أيضا مثل:
كالزهر في ترف، والبدر في شرف ... والبحر في كرم، والدهر في همم
وقد تكون الآية من سائر الآيات. والسر هاهنا إذا جعل حسن الكلام الناشئ من