للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقارب الوزن ووجد أن الأمر المنتظر وهو القافية في كفة، وجعل حسن الكلام الناشئ من سهولة الأداء وموافقة طبع الكلام وعدم لحوق التغيير فيه في كفة أخرى- ترجح الفطرة السليمة جانب المعنى، فيترك أحد الانتظارين مهملا، ويوفى الحق في الانتظار الثاني.

وإنما قلنا في صدر البحث: قد جرت سنة الله عز وجل على هذا في أكثر السور، لأنه ما ظهرت في بعض السور رعاية هذا القسم من الوزن والقافية. فوقعت طائفة من الكلام على نهج خطب الخطباء وأمثال أهل النكت. ألم تسمع «١» مسامرة النساء المروية عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها فانظر في قوافيها. وفي بعض السور وقع الكلام على منهج كتب العرب بلا رعاية شيء. كمحاورة بعض الناس لبعض. إلا أنه يختم كل كلام بشيء يكون مبنيا على الاختتام. والسر هاهنا أن الأصل في لغة العرب الوقف في موضع ينتهي فيه النفس ويفنى نشاط الكلام. والمستحسن في محل الوقف انتهاء النفس على المدة، هذا هو الوجه في ظهور صورة الآيات. هذا ما فتح الله على الفقير والله أعلم.

إن سألوا. لما تكررت مطالب الفنون الخمسة (أعني علم الأحكام، وعلم الرد على الفرق الضالة، وعلم التذكير بآلاء الله من نحو بيان خلق السموات، وعلم التذكير بأيام الله كالوقائع التي أوجدها من جنس تنعيم المطيعين وتعذيب المجرمين، وعلم التذكير بالموت وما بعده) في القرآن العظيم، ولم لم يكتف بموضع واحد؟ قلنا: الذي نريد إفادته للسامع ينقسم إلى قسمين:

الأول: أن يكون المقصود هناك مجرد تعليم ما لا يعلم، فالمخاطب لم يكن عالما بالحكم، وما كان ذهنه مدركا له، فيعلم ذلك المجهول باستماع الكلام ويصير المجهول معلوما.

والثاني: أن يكون المقصود استحضار صورة ذلك العلم في المدركة ليتلذذ به لذة تامة وتفنى القوى القلبية والإدراكية في ذلك العلم، ويغلب القوى كلها حتى تنصبغ بذلك العلم، كما نكرر أحيانا معنى شعر علمناه، وندرك منه لذة في كل مرة، ونحب التكرار لتلك اللذة، والقرآن العظيم أراد من قسمي الإفادة بالنسبة إلى كل واحد من مطالب الفنون الخمسة- تعليم ما لا يعلم بالنسبة إلى الجاهل، وصبغ النفوس بتلك العلوم من التكرار بالنسبة إلى العالم. إلا أن أكثر مباحث الأحكام لم يحصل تكرارها. لأن الإفادة الثانية غير مطلوبة فيها. ولذا أمر بتكرار التلاوة في


(١) أخرجه البخاري في النكاح، باب حسن المعاشرة مع الأهل.

<<  <  ج: ص:  >  >>