وعن أبي الدرداء قال: أبهمت عقول البهائم عن كل شيء، إلا عن أربعة أشياء:
معرفة الإله، وطلب الرزق، ومعرفة الذكر والأنثى، وتهيؤ كل واحد منهما لصاحبه.
وقيل: المماثلة في أنها تحشر يوم القيامة كالناس.
أقول: لا شك في صحة الوجهين بذاتهما، وصدق المثلية فيهما، ولكن الحمل عليهما يبعده عدم ملاقاته للآية الأخرى. فالأمسّ، تأييدا للنظائر، ما ذكرناه أولا- والله أعلم-.
السادس- ما بيناه في معنى (الكتاب) من أنه اللوح المحفوظ في العرش، وعالم السموات المشتمل على جميع أحوال المخلوقات على التفصيل التام- هو الأظهر، لملاقاته للآية التي ذكرناها تأييدا للنظائر القرآنية. ولم يذكر الإمام ابن كثير سواه، على توسعه.
وقيل: المراد منه القرآن كقوله تعالى: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل: ٨٩] . قال الخفاجيّ: قيل: حمله على القرآن لا يلائم ما قبله وما بعده.
ويدفع بأن المعنى لم نترك شيئا من الحجج وغيرها إلا ذكرناه، فكيف يحتاج إلى آية أخرى مما اقترحوه، ويكذب بآياتنا؟ فالكلام بعضه آخذ بحجز بعض بلا شبهة.
وقال أبو السعود: أي ما تركنا في القرآن شيئا من الأشياء المهمة التي من جملتها بيان أنه تعالى مراع لمصالح جميع مخلوقاته.
قال الشهاب في قول البيضاوي (فإنه قد دوّن فيه ما يحتاج إليه من أمر الدين مفصلا أو مجملا) : يشير إلى أن ما ثبت بالأدلة الثلاثة ثابت بالقرآن، لإشارته بنحو قوله: فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ [الحشر: ٢] . إلى القياس. وقوله: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [الحشر: ٧] ، إلى السنّة. بل قيل: إنه بهذه الطريقة يمكن استنباط جميع الأشياء منه. كما سأل بعض الملحدين بعضهم عن طبخ الحلوى، أين ذكر في القرآن؟ فقال: في قوله تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:
٤٣] . انتهى.
واستظهر الرازي أن المراد (بالكتاب) القرآن. واحتج بأن الألف واللام إذا دخلا على الاسم المفرد، انصرف إلى المعهود السابق، والمعهود السابق من الكتاب عند المسلمين هو القرآن. فوجب أن يكون المراد من (الكتاب) في هذه الآية القرآن. إذا