في كتابه؟ يعني: الواشمة والمستوشمة والواصلة والمستوصلة، وروي أن امرأة قرأت جميع القرآن، ثم أتته، فقالت: يا ابن أم عبد! تلوت البارحة ما بين الدفتين، فلم أجد فيه لعن الواشمة والمستوشمة! فقال. لو تلوتيه لوجدتيه، قال الله تعالى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وإن مما آتانا به رسول الله أنه قال: لعن الله الواشمة والمستوشمة.
قال الرازي: وأقول: يمكن وجدان هذا المعنى في كتاب الله بطريق أوضح من ذلك، لأنه تعالى قال في سورة النساء: وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً لَعَنَهُ اللَّهُ [النساء: ١١٧- ١١٨] . فحكم عليه باللعن، ثم عدّد بعده قبائح أفعاله، وذكر من حملتها قوله: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء: ١١٩] . وظاهر هذه الآية يقتضي أن تغيير الخلق يوجب اللعن. انتهى.
قلت: وتتمة الحديث تؤيد ذلك أيضا. ولفظه: لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيّرات خلق الله- رواه الإمام أحمد والشيخان وأصحاب السنن عن ابن مسعود-.
ثم قال الرازي:
المثال الثاني- ذكر أن الشافعي رحمه الله كان جالسا في المسجد الحرام فقال: لا تسألوني عن شيء إلا أجبتكم فيه من كتاب الله تعالى. فقال رجل: ما تقول في المحرم إذا قتل الزنبور؟ فقال: لا شيء عليه، فقال: أين هذا في كتاب الله؟
فقال: قال الله تعالى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ثم ذكر إسنادا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي. ثم ذكر إسنادا إلى عمر رضي الله عنه أنه قال: للمحرم قتل الزنبور. قال الواحديّ: فأجابه من كتاب الله مستنبطا بثلاث درجات.
وأقول هاهنا طريق آخر أقرب منه، وهو أن الأصل في أموال المسلمين العصمة.
قال تعالى: لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ [البقرة: ٢٨٦] . وقال: لا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ [محمد صلى الله عليه وسلم: ٣٦] . وقال لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ [النساء: ٢٩] . فنهى عن أكل أموال الناس.
إلا بطريق التجارة، فعند عدم التجارة وجب أن يبقى على أصل الحرمة. وهذه العمومات تقتضي أن لا يجب على المحرم الذي قتل الزنبور شيء، وذلك لأن التمسك بهذه العمومات يوجب الحكم بمرتبة واحدة.