للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المثال الثالث-

قال الواحديّ: روي في حديث العسيف الزاني «١»

أن أباه قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: اقض بيننا بكتاب الله. فقال عليه السلام: والذي نفسي بيده! لأقضينّ بينكما بكتاب الله. ثم قضى بالجلد والتغريب على العسيف، وبالرجم على المرأة إن اعترفت

. قال الواحديّ: وليس للجلد والتغريب ذكر في نص الكتاب. وهذا يدل على أن كل ما حكم به النبيّ صلى الله عليه وسلم فهو عين كتاب الله. قال الرازيّ: وهذا حق، لأنه تعالى قال: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ، وكل ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم كان داخلا تحت هذه الآية. انتهى.

وبالجملة، فالقرآن الكريم كلية الشريعة، والمجموع فيه أمور كليات، لأن الشريعة تمت بتمام نزوله، فإذا نظرنا إلى رجوع الشريعة إلى كلياتها، وجدناها قد تضمنها القرآن على الكمال. وقد جوّد البحث في هذه المسألة المهمة، العلامة الشاطبيّ في (الموافقات) في الطرف الثاني، في الأدلة على التفصيل. فارجع إليه.

وقد نقلنا شذرة منه في مقدمة هذا التفسير. فتذكر!.

السابع- قال أبو البقاء: مِنْ في قوله تعالى مِنْ شَيْءٍ زائدة. و (شيء) هنا واقع موقع المصدر. أي: تفريطا. وعلى هذا التأويل لا يبقى في الآية حجة لمن ظن أن الكتاب يحتوي على ذكر كل شيء صريحا. ونظير ذلك: لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل عمران: ١٢٠] أي ضررا. وقد ذكرنا له نظائر. ولا يجوز أن يكون شَيْئاً مفعولا به، لأن فَرَّطْنا تتعدى بنفسها، بل بحرف الجر، وقد عديت ب (في) إلى الْكِتابِ، فلا تتعدى بحرف آخر، ولا يصح أن يكون المعنى:


(١)
أخرجه البخاريّ في: الحدود، ٣٠- باب الاعتراف بالزنى، حديث ١١٥٤ و ١١٥٥. عن أبي هريرة وزيد بن خالد قالا: كنا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقام رجل فقال: أنشدك الله إلّا قضيت بيننا بكتاب الله.
فقام خصمه، وكان أفقه منه، فقال: اقض بيننا بكتاب الله وأذن لي.
قال «قل» .
قال: إن ابني كان عسيفا على هذا، فزنى بامرأته. فافتديت منه بمائة شاة وخادم. ثم سألت رجلا من أهل العلم فأخبروني، أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأته الرجم.
فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده! لأقضينّ بينكما بكتاب الله، جلّ ذكره. المائة شاة والخادم ردّ. وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام. واغد، يا أنيس! على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» .
فغدا عليها، فاعترفت، فرجمها.
وأخرجه مسلم في: الحدود، حديث ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>