للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك إذا قلنا: إن كلّ النوع خليفة في العوالم الأرضية.

فعلم من كلّ من القولين أن في الإنسان معنى ليس في غيره. فإذا كانت خلقة الملك لا تساعد على إرشاد الناس، لأنه ليس من جنسهم ولا يمكن لكلّ واحد التلقّي منه، فكذلك لا تساعد خلقته. وليس من وظيفتها، إظهار خواص الأجسام وقواها ووجوه الانتفاع بها. ولو كان إيجاد مخلوق- على ما ذكرنا في خلق الإنسان- غير ممكن لما وجد. ولا ينكر كونه على ما ذكرنا إلّا من ينكر الحسّ والوجدان، وهما أصل كلّ برهان. ومثل هذا لا يخاطب ولا يطلب منه التصديق بشيء ما.

إذن، معنا قضيّتان قطعيّتا الثبوت:

(إحداهما) : كون الإنسان يعمل بقدرة وإرادة يبعثها علمه على الفعل أو الترك والكف، وهي بديهية.

و (الثانية) : هي أنّ الله هو الخالق الذي بيده ملكوت كلّ شيء، وهي نظرية ويتولّد من هاتين القضيتين القطعيّتين مسألتان نظريتان:

الأولى: ما الفرق بين علم الله تعالى وإرادته وقدرته، وبين علم الإنسان وإرادته وقدرته؟ والجواب من وجوه:

(أحدها) : أن صفات الله قديمة بقدمه فهي ثابتة له لذاته. وصفات الإنسان حادثة بحدوثه وهي موهوبة له من الله تعالى كذاته.

(ثانيها) : أن علم الله محيط بكلّ شيء يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ [البقرة: ٢٥٥] . وأما الإنسان فما أوتي مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: ٨٥] ! وإرادة الله تعالى لا تتغيّر ولا تقبل الفسخ لأنها عن علم تامّ. بخلاف إرادة الإنسان فإنها تتردد لتردّده في العلم بالشيء. وتفسخ لظهور الخطأ في العلم الذي بنيت عليه. وتتجدّد لتجدّد علم لمن لم يكن له من قبل.

وقدرة الله تعالى متصرّفة في كلّ ممكن. فيفعل كلّ ما يعلم أنّ فيه الحكمة. وقدرة الإنسان لا تصرّف لها ولا كسب إلّا في أقلّ القليل من الممكنات. فكم من أمر يعلم أن فيه مصلحته ومنفعة له وهو لا يقدر على القيام به.

(ثالثها) : أن صفات الإنسان عرضة للضعف والزوال، وصفات الله تعالى أبدية كما أنّها أزلية.

<<  <  ج: ص:  >  >>