عنه) : لما خلق الله الخلق، كتب كتابا على نفسه، وهو عنده فوق العرش، إن رحمتي غلبت غضبي.
وفي لفظ آخر: لما قضى الله سبحانه الخلق، كتب على نفسه في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي.
وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل، وأنه استواء الذات على العرش، لا على معنى القعود والمماسة، كما قالت المجسمة والكرامية، ولا على معنى العلوّ والرفعة، كما قالت الأشعرية، ولا على الاستيلاء والغلبة، كما قالت المعتزلة، لأن الشرع لم يرد بذلك، ولا نقل عن أحد من الصحابة والتابعين من السلف الصالح من أصحاب الحديث، ذلك، بل المنقول عنهم حمله على الإطلاق. وقد روي عن أم سلمة زوج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله عزّ وجلّ: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: ٥] : «الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإقرار به واجب، والجحود به كفر» . وقد أسنده مسلم بن الحجاج عنها عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في (صحيحه) ، وكذلك في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. وقال أحمد بن حنبل رحمه الله قبل موته بقريب: أخبار الصفات تمرّ كما جاءت، بلا تشبيه ولا تعطيل. وقال أيضا (في رواية بعضهم) : لست بصاحب كلام، ولا أرى الكلام في شيء من هذه الأماكن، في كتاب الله عز وجل، أو حديث عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أو عن أصحابه رضي الله عنهم، أو عن التابعين. فأما غير ذلك، فإن الكلام فيه غير محمود، فلا يقال في صفات الرب عز وجل (كيف) ؟ و (لم) ؟ لا يقول ذلك إلا شكّاك. وقال أحمد رضي الله عنه (في رواية عنه، في موضع آخر) :
نحن نؤمن بأن الله عزّ وجلّ على العرش كيف شاء، وكما شاء، بلا حدّ ولا صفة يبلغها واصف ويحدها حاد، لما روي عن سعيد بن المسيّب، عن كعب الأحبار، قال، قال الله تعالى في (التوراة) : أنا الله فوق عبادي، وعرشي فوق جميع خلقي، وأنا على عرشي، عليه أدبر عبادي، ولا يخفى عليّ شيء من عبادي. وكونه عزّ وجلّ على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبيّ أرسل، بلا كيف، ولأن الله تعالى- فيما لم يزل- موصوف بالعلوّ والقدرة والاستيلاء والغلبة على جميع خلقه، من العرش وغيره. فلا يحمل الاستواء على ذلك. فالاستواء من صفات الذات، بعد ما أخبرنا به، ونص عليه وأكده في سبع آيات من كتابه، والسنة المأثورة به، وهو صفة لازمة له، ولائقة به، كاليد والوجه والعين والسمع والبصر والحياة والقدرة، وكونه خالقا ورازقا ومحييا ومميتا، موصوف بها، ولا نخرج من الكتاب والسنة، نقرأ الآية والخبر، ونؤمن بما فيهما، ونكل الكيفية في الصفات إلى علم الله عزّ وجلّ، كما قال سفيان بن عيينة رحمه الله: كما وصف الله تعالى نفسه في كتابه، فتفسيره قراءته.