للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بجميع ما خلق، وقد علم كيف هو، وما هو، من غير أن يكون في شيء مما خلق.

قال أحمد رضي الله عنه: ومما تأول الجهمية من قول الله سبحانه: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ ... ) إلى أن قال:

... إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ قالوا: إن الله عز وجل معنا وفينا. فقلنا: لم قطعتم الخبر من أوله؟ إن الله يقول: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ يعني أن الله بعلمه رابعهم، ولا خمسة إلا هو سادسهم، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم بعلمه فيهم، يفتح الخبر بعلمه، ويختمه بعلمه- انتهى-.

ثم قال الإمام أحمد في آخر كتابه المذكور: وقلنا للجهمية: زعمتم أن الله في كل مكان، لا يخلو منه مكان، فقلنا لهم: أخبرونا عن قول الله جل ثناؤه: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا [الأعراف: ١٤٣] . لم تجلى، إذا كان فيه بزعمكم؟

ولو كان فيه، كما تزعمون، لم يكن يتجلى لشيء. لكن الله تعالى على العرش، وتجلى لشيء لم يكن فيه، ورأى الجبل شيئا لم يكن يراه قط قبل ذلك.

وقلنا للجهمية: الله نور؟ فقالوا: نور كله. فقلنا: قال الله عز وجل:

وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها [الزمر: ٦٩] . فقد أخبر جل ثناؤه أن له نورا، قلنا:

أخبرونا، حين زعمتم أن الله في كل مكان، وهو نور، فلم لا يضيء البيت المظلم من النور الذي هو فيه إذا زعمتم أن الله في كل مكان؟ وما بال السراج إذا أدخل البيت المظلم يضيء؟ فعند ذلك تبين كذبهم على الله. فرحم الله من عقل عن الله، ورجع عن القول الذي يخالف الكتاب والسنة، وقال بقول العلماء، وهو قول المهاجرين والأنصار، وترك دين الشيطان، ودين جهم وشيعته- انتهى-.

وقال الإمام الحافظ ابن عبد البر في كتاب (التمهيد) في شرح حديث «١» (ينزل ربنا كل ليلة ... ) الحديث- ما نصه: هذا الحديث ثابت من جهة النقل، صحيح الإسناد، لا يختلف أهل الحديث في صحته، وفيه دليل على أن الله تعالى


(١)
أخرجه البخاري في: الدعوات، ١٤- باب الدعاء نصف الليل، حديث رقم ٦٢٩ ونصه: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر. يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له؟» وأخرجه مسلم في: صلاة المسافرين وقصرها، حديث ١٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>