حقيقة ما وصف الله به نفسه، وامتاز الأول بتعطيل كل مسمى للاستواء الحقيقي، وامتاز الثاني بإثبات (استواء) هو من خصائص المخلوقين، والقول الفاصل هو ما عليه الأمة الوسط، من أن الله مستو على عرشه استواء يليق بجلاله ويختص به، فكما أنه موصوف بأنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه سميع بصير، ونحو ذلك، ولا يجوز أن نثبت للعلم والقدرة خصائص الأعراض التي لعلم المخلوقين وقدرهم، فكذلك هو سبحانه فوق العرش، ولا نثبت لفوقيته خصائص فوقية المخلوق على المخلوق ولوازمها.
واعلم أنه ليس في العقل الصحيح، ولا في النقل الصريح، ما يوجب مخالفة الطريقة السلفية أصلا، لكن هذا الموضع لا يتسع للجواب عن الشبهات الواردة عن الحق، فمن كان في قلبه شبهة وأحبّ حلها، فذلك سهل يسير- انتهى كلامه-.
ومن أحاط عقله بهذه الغرر، علم براءة ساحة السلف مما رموا به من التجسيم.
وفي هذه النفائس من الفوائد ما يشفع لدى الواقف بطوله.
الثالث: يطلق العرش على معان: السرير، ومنه آية وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ [النمل: ٢٣] ، والملك، يقال: ثل عرشهم. وسقف البيت، ومنه آية: وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها [البقرة: ٢٥٩] ، وحديث (كالقنديل المعلق بالعرش) . أو البناء، ومنه وَما كانُوا يَعْرِشُونَ [الأعراف: ١٣٧] ، أي يبنون. ومنه: العريش، وهو ما يستظل به. والعرش المضاف إلى الله تعالى لا يحدّ.
قال في القاموس: العرش، عرش الله تعالى، ولا يحدّ- انتهى-.
وقال الراغب: عرش الله عز وجل مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم على الحقيقة، ولذا لم يصح في صفته حديث، وكل ما روي في ذلك فليس من مرويات الصحاح.
قال البيهقي في كتاب (الأسماء والصفات) : وأقاويل أهل التفسير على أن العرش هو السرير، وأنه جسم مجسم، خلقه الله تعالى، وأمر ملائكته بحمله، وتعبّدهم بتعظيمه والطواف به، كما خلق في الأرض بيتا، وأمر بني آدم بالطواف به واستقباله في الصلاة، وفي أكثر الآيات دلالة على صحة ما ذهبوا إليه، وفي الأخبار والآثار الواردة في معناه دليل على صحة ذلك- انتهى-.
وقال الحافظ الذهبي في كتاب (العلوّ) : اعلم أن الله عزّ وجلّ، قد أخبرنا، وهو أصدق القائلين، بأن عرش بلقيس عرش عظيم، فقال: وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ [النمل: ٢٣]