ثم ختم الآية بقوله: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [النمل: ٢٦] ، فكان عرشها عظيما بالنسبة إليها، وما نحيط الآن علما بتفاصيل عرشها ولا بمقداره ولا بماهيته. ثم قال: فما الظن بما أعد الله تعالى من السّرر والقصور في الجنة لعباده، فما الظن بالعرش العظيم الذي اتخذه العلي العظيم لنفسه في ارتفاعه وسعته وقوائمه وماهيته وحملته الحافّين من حوله، وحسنه ورونقه وقيمته؟ اسمع وتعقل ما يقال، والجأ إلى الإيمان بالغيب، فليس الخبر كالمعاينة، فالقرآن مشحون، بذكر العرش، وكذلك الآثار، بما يمتنع أن يكون المراد به (الملك) . فدع المكابرة والمراء، فإن المراء في القرآن كفر. آمنا بالله وأشهد بأنّا مسلمون. لا إله إلا الله الحليم الكريم. لا إله إلا الله رب العرش العظيم. لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب العرش الكريم.
الحمد لله رب العالمين. انتهى كلام الذهبيّ رحمه الله تعالى-.
الرابع- سئل الشيخ تقيّ الدين بن تيمية، عليه الرحمة والرضوان، عن العرش:
هل هو كري أم لا، فإذا كان كريّا والله من ورائه محيط به بائن عنه، فما فائدة توجه العبد إلى الله سبحانه حين الدعاء والعبادة، فيقصد العلوّ دون غيره، إذ لا فرق حينئذ بين قصد جهة العلوّ وغيرها من الجهات التي تحيط بالداعي، ومع هذا نجد في قلوبنا قصدا يطلب العلوّ، لا يلتفت يمنة ولا يسرة. فأخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا وقد فطرنا عليها.
فأجاب رحمه الله بقوله:
إنّ لقائل أن يقول: لم يثبت بدليل يعتمد عليه أن العرش فلك من الأفلاك المستديرة الكرّية، وإنما ذكره طائفة من المتأخرين الذين نظروا في علم الهيئة، فرأوا أن الأفلاك تسعة، وأن التاسع، وهو الأطلس، محيط بها، وهو الذي يحركها الحركة الشرقية، وإن كان لكل فلك حركة تخصه، ثم سمعوا في أخبار الأنبياء ذكر عرش الله سبحانه وكرسيّه والسماوات السبع، فقالوا (بطريق الظن) : إن العرش هو الفلك التاسع، لاعتقادهم أنه ليس وراء ذلك شيء، إما مطلقا وإما أنه ليس وراءه مخلوق. ثم إن منهم من رأى أنه هو الذي يحرك الأفلاك كلها، فجعلوه مبدأ الحوادث، وربما سماه بعضهم الروح أو النفس. وجعله بعضهم هو اللوح المحفوظ، وبعض الناس ادعى أنه علم ذلك بطريق الكشف، وذلك غير صحيح، بل أخذه من هؤلاء المتفلسفة، كما فعل أصحاب (رسائل إخوان الصفاء) . والأخبار تدل على أن العرش مباين لغيره من المخلوقات، وأنه قبل السموات والأرض.