للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البخاري «١» أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض، وأن له قوائم»

- كما

في حديث «٢» أبي سعيد: فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش.

وقد استدل من قال إنه مقبب، بما

رواه أبو داود «٣» من قوله عليه الصلاة والسلام (وإن الله تعالى على عرشه، وإن عرشه على سماواته، وسماواته فوق أرضه هكذا- وقال بأصابعه مثل القبة)

-. وهذا لا يدل على أنه فلك من الأفلاك، ولا مستدير مثل ذلك، لكن لفظ (القبة) يستلزم استدارة من العلوّ، لا من جميع الجوانب، إلا بدليل منفصل. ولفظ (الفلك) يستدل به على الاستدارة مطلقا، كما قال ابن عباس في كُلٌّ فِي فَلَكٍ [الأنبياء: ٣٣] : في فلكة مثل فلكة المغزل وأما لفظ (القبة) فإنه لا يتعرض لهذا المعنى، لا ينفي ولا إثبات، لكن يدل على الاستدارة من العلوّ.

واعلم أن العرش، وسواء كان هذا الفلك التاسع، أو جسما محيطا به، أو كان فوقه من جهة وجه الأرض، محيط به، أو قيل فيه غير ذلك، فيجب أن يعلم أن العالم العلويّ والسفليّ بالنسبة إلى الخالق تعالى في غاية الصغر، كما قال تعالى: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ

[الزمر: ٦٧] .

وفي الصحيحين «٤» عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «يقبض الله تبارك وتعالى الأرض


(١) أخرجه البخاري في: بدء الخلق، ١- باب ما جاء في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، حديث ١٥٠٦ عن عمران بن حصين.
(٢)
أخرجه البخاري في: الأنبياء، ٢٥- باب قوله تعالى: وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، حديث رقم ١١٩٣، ونصه: عن أبي سعيد الخدريّ عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال «الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش. فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور» .
(٣)
أخرجه أبو داود في: السنّة، ١٨- باب في الجهمية، حديث رقم ٤٧٢٦، ونصه: عن جبير بن مطعم قال: أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعرابيّ فقال: يا رسول الله! جهدت الأنفس وضاعت العيال ونهكت الأموال وهلكت الأنعام، فاستسق الله لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ويحك! أتدري ما تقول» ؟ وسبّح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه. ثم قال: «ويحك! إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه.
شأن الله أعظم من ذلك. ويحك! أتدري ما الله؟ إن عرشه على سماواته لهكذا» وقال بأصابعه مثل القبة عليه «وإنه ليئطّ أطيط الرحل بالراكب»
. (٤) أخرجه البخاري في: التفسير، ٣٩- سورة الزمر، ٢- باب وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، حديث رقم ٢٠٣٩ عن أبي هريرة.
وأخرجه مسلم في: صفات المنافقين وأحكامهم، حديث ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>