للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبصق قبل وجهه، فإن الله تعالى قبل وجهه، ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكا، وليبصق عن يساره أو تحت رجله» .

وفي رواية: إنه أذن أن يبصق في ثوبه.

وفي حديث «١» أبي رزين المشهور: لما أخبر صلّى الله عليه وسلّم أنه ما من أحد إلا سيخلو به ربه، فقال له أبو رزين: كيف يسعنا يا رسول الله وهو واحد ونحن جمع؟ فقال: سأنبئك بمثل ذلك في آلاء الله تعالى: هذا القمر آية من آيات الله تعالى، كلكم يراه مخليا به، فالله أكبر.

وفي الصحيحين «٢» : لينتهينّ أقوام عن رفع أبصارهم في الصلاة، أو لا ترجع إليهم أبصارهم

. واتفق العلماء على أن رفع المصلي بصره إلى السماء منهي عنه.

وروى محمد بن سيرين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يرفع بصره في الصلاة إلى السماء، حتى نزل: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ [المؤمنون: ٢] ، فكان بصره لا يجاوز موضع سجوده

. فهذا مما جاءت به الشريعة تكميلا للفطرة، لأن الداعي المأمور بالذل، لا يناسب حاله أن ينظر إلى ناحية من يدعوه. خلافا للجهمية الذين لا يفرقون بين العرش وقعر البحر، وقد قال تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ [البقرة: ١٤٤] الآية- ثم بين تأويل (الحجر الأسود يمين الله في الأرض فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله تعالى وقبل يمينه) وقال: قد ظنوا أن هذا وأمثاله محتاج إلى التأويل، وهذا وهم، لأنه لو كان هذا اللفظ ثابتا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فإنه صريح في أن الحجر ليس هو من صفاته تعالى، وتقييده بالأرض يدل على أنه ليس هو يده على الإطلاق، فلا تكون اليد حقيقة. وقوله: (فكأنما صافح الله تعالى) إلخ صريح في أن المصافح ليس مصافحا له تعالى، لأن المشبّه ليس هو المشبه به.

إلى أن قال: فهذا كله بتقدير كرّية العرش، وأما إذا قدر أنه ليس بكري الشكل، بل هو فوق العالم من الجهة التي هي وجه الأرض، وأنه فوق الأفلاك الكريّة، كما أن وجه الأرض الموضوع للأنام، فوق نصف الأرض الكريّ، أو غير ذلك من المقادير التي يقدر فيها أن العرش فوق ما سواه- فعلى كل تقدير لا يتوجه إلى الله تعالى إلا


(١) أخرجه أبو داود في: السنة، ١٩- باب في الرؤية، حديث ٤٧٣١.
وأخرجه ابن ماجة في المقدمة، ١٣- باب فيما أنكرت الجهمية، حديث رقم ١٨٠ ونصه: عن أبي رزين قال: قلت: يا رسول الله! أنرى الله يوم القيامة؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال «يا أبا رزين! أليس كلكم يرى القمر مخليا به» ؟ قال قلت: بلى قال «فالله أعظم، وذلك آية في خلقه» .
وكذا في أبي داود.
(٢) أخرجه البخاري في: الأذان، ٩٢- باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة، حديث رقم ٥٤٧ عن أنس. وليس في مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>