معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه. وهو سبحانه، مع ذلك، ليس كمثله شيء في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته، ولا في أفعاله. فكما نتيقن أن الله سبحانه له ذات حقيقة، وله أفعال حقيقة، فكذلك له صفات حقيقة، وهو ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وكل ما أوجب نقصا أو حدوثا فإن الله منزّه عنه حقيقة، وأنه سبحانه مستحق الكمال الذي لا غاية فوقه، وممتنع عليه الحدوث لامتناع العدم عليه، واستلزام الحدوث سابقة العدم. ومذهب السلف بين التعطيل وبين التمثيل. فلا يمثلون صفات الله بصفات خلقه، كما لا يمثلون ذاته بذات خلقه، ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، فيعطلون أسماءه الحسنى وصفاته العليا، ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويلحدون في أسماء الله وآياته» .
روى البيهقي في كتاب «الأسماء والصفات» بإسناد صحيح عن الأوزاعيّ، قال:
«كنّا- والتابعون متوافرون- نقول: إنّ الله، تعالى ذكره، فوق عرشه، ونؤمن بما وردت السنة به من صفاته. فقد حكى الأوزاعيّ- وهو أحد الأئمة الأربعة في عصر تابعي التابعين الذين هم: مالك إمام أهل الحجاز، والأوزاعيّ إمام أهل الشام، والليث إمام أهل مصر، والثوريّ إمام أهل العراق- حكى شهرة هذا القول في زمن التابعين بالإيمان بأن الله فوق العرش، وبصفاته السمعية، وإنما قال الأوزاعيّ هذا بعد ظهور مذهب جهم المنكر لكون الله فوق عرشه، والنافي لصفاته، ليعرف الناس أن مذهب السلف كان بخلاف هذا.
وروى أبو بكر الخلال في كتاب «السنّة» عن الأوزاعيّ، قال:
«سئل مكحول والزهريّ عن تفسير الأحاديث فقالا: أمرّوها كما جاءت» .
وروي أيضا عن الوليد بن مسلم قال:
«سألت مالك بن أنس، وسفيان الثوريّ، والليث بن سعد، والأوزاعيّ عن الأخبار التي جاءت في الصفات، فقالوا: أمرّوها كما جاءت» . وفي رواية، فقالوا:
«أمرّوها كما جاءت بلا كيف» . فقولهم رضي الله عنهم «أمرّوها كما جاءت» ردّ على المعطلة، وقولهم «بلا كيف» ردّ على الممثّلة. والزهريّ ومكحول هما أعلم التابعين في زمانهم. والأربعة الباقون أئمة الدنيا في عصر تابعي التابعين- أفاده شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض فتاويه.
وقال تلميذه الإمام شمس الدين بن القيّم الدمشقيّ في كتابه «طريق الهجرتين»