بأنه أرسل عليهم الريح العقيم ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [الذاريات: ٤٢] . كما قال في الآية الأخرى: وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ [الحاقة: ٦- ٨] لما تمردوا وعتوا، أهلكهم الله بريح عاتية، فكانت تحمل الرجل منهم، فترفعه في الهواء ثم تنكسه على أم رأسه، فتثلع رأسه حتى تبينه من جثته.
وقال محمد بن إسحاق: كانت منازل عاد وجماعتهم، حين بعث الله فيهم هودا، الأحقاف قال: و (الأحقاف) الرمل، فيما بين عمان إلى حضرموت، فاليمن كله.
وكانوا مع ذلك قد فشوا في الأرض كلها. وقهروا أهلها بفضل قوتهم التي آتاهم الله. وكانوا أصحاب أوثان يعبدونها من دون الله: صنم يقال له (صداء) وصنم يقال له (صمود) وصنم يقال له (الهباء) : فبعث الله إليهم هودا، وهو من أوسطهم نسبا وأفضلهم موضعا، فأمرهم أن يوحدوا الله ولا يجعلوا معه إلها غيره، وأن يكفّوا عن ظلم الناس. لم يأمرهم فيما يذكر، والله أعلم، بغير ذلك. فأبوا عليه وكذبوه. وقالوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [فصلت: ١٥] .
واتبعه منهم ناس، وهم يسير مكتتمون بإيمانهم. وكان ممن آمن به وصدقه رجل من عاد يقال له (مرثد بن سعد بن عفير) وكان يكتم إيمانه. فلما عتوا على الله تبارك وتعالى وكذبوا نبيهم، وأكثروا في الأرض الفساد، وتجبّروا وبنوا بكل ريع ريع آية عبثا بغير نفع، كلمهم هود فقال: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ [الشعراء:
١٢٨- ١٣١] .
قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ [هود: ٥٣- ٥٥] أي: ما هذا الذي جئتنا به إلا جنون أصابك به بعض آلهتنا هذه التي تعيب. قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ إلى قوله صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [هود: ٥٦] .
فلما فعلوا ذلك، أمسك الله عنهم المطر من السماء ثلاث سنين، فيما يزعمون- حتى جهدهم ذلك.