للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكأنهم شكّوا فيما حدثهم به، فقالت هزيلة بنت بكر: صدق، ورب الكعبة.

قال ابن كثير: وهو سياق غريب، فيه فوائد كثيرة. وقد قال الله تعالى: وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ [هود: ٥٨] .

وروى الإمام أحمد «١» عن أبي وائل عن الحارث البكري قال خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فمررت بالربذة، فإذا بعجوز من بني تميم منقطع بها، فقالت لي: يا عبد الله! إن لي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجة، فهل أنت مبلغي إليه؟ قال: فحملتها، فأتيت المدينة. فإذا المسجد غاصّ بأهله، وإذا راية سوداء تخفق، وإذا بلال متقلد السيف بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: ما شأن الناس؟

قالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها. فجلست، فدخل منزله- أو قال رحله- فاستأذنت عليه، فأذن لي، فدخلت فسلمت، فقال: هل كان بينكم وبين تميم شيء؟ قلت: نعم. قال وكانت لنا الدبرة عليهم، ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها، فسألتني أن أحملها إليك، وها هي بالباب، فأذن لها، فدخلت. فقلت: يا رسول الله! إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميم حاجزا، فاجعل الدهنا. فحميت العجوز واستوفزت، وقالت: يا رسول الله! فإلى أين تضطر مضرك؟ قال قلت: إن مثلي مثل ما قال الأول: (معزاء حملت حتفها) حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصما. أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد! قال هيه، وما وافد عاد؟ وهو أعلم بالحديث منه، ولكن يستطعمه، قلت: إن عادا قحطوا فبعثوا وافدا لهم يقال له قيل، فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهرا يسقيه الخمر، وتغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان، فلما مضى الشهر، خرج جبل تهامة فنادى: اللهم! إنك تعلم أني لم أجئ إلى مريض فأداويه، ولا إلى أسير فأفاديه، اللهم! اسق عادا ما كنت تسقيه! فمرت به سحابات سود، فنودي منها: اختر، فأومأ إلى سحابة منها سوداء، فنودي منها: خذها رمادا رمددا، لا تبقي من عاد أحدا. قال: فما بلغني أنه بعث عليهم من الريح إلا قدر ما يجري في خاتمي هذا، حتى هلكوا. قال أبو وائل: وصدق. قال: فكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافدا لهم قالوا: لا تكن كوافد عاد- هكذا رواه الإمام أحمد في المسند، ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير-.


(١) أخرجه في المسند ٣/ ٤٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>