حتى إذا فرغوا من دعوتهم قام فقال: اللهم إني جئتك وحدي في حاجتي، فأعطني سؤلي.
وقال قيل بن عنز حين دعا: يا إلهنا، إن كان هود صادقا فاسقنا، فإنا قد هلكنا.
فأنشأ الله لهم سحائب ثلاثا: بيضاء وحمراء وسوداء. ثم ناداه مناد من السحاب: يا قيل! اختر لنفسك ولقومك من هذه السحائب. فقال: اخترت السحابة السوداء، فإنها أكثر السحاب ماء. فناده مناد: اخترت رمادا رمددا، لا تبقي من آل عاد، أحدا، لا والدا تترك ولا ولدا، إلا جعلته همدا إلا بني اللّوذيّة المهدّى- وبنو اللوذية، بنو لقيم بن هزّال بن هزيلة بن بكر، وكانوا سكانا بمكة مع أخوالهم، ولم يكونوا مع عاد بأرضهم، فهم عاد الآخرة، ومن كان نسلهم الذين بقوا من عاد- وساق الله السحابة السوداء، فيما يذكرون، التي اختارها قيل بن عنز بما فيها من النقمة إلى عاد، حتى خرجت عليهم من واد يقال له (المغيث) .
فلما رأوها استبشروا بها وقالوا: هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا يقول الله بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها [الأحقاف: ٢٤- ٢٥] أي كل شيء أمرت به.
وكان أول من أبصر ما فيها وعرف أنها ريح، فيما يذكرون، امرأة من عاد يقال لها (مهدد) فما تيقنت ما فيها صاحت ثم صعقت. فلما أفاقت قالوا: ماذا رأيت يا مهدد؟ قالت: رأيت ريحا فيها كشهب النار، أمامها رجال يقودونها! ف سَخَّرَها الله عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً [الحاقة: ٧] ، كما قال الله- والحسوم الدائمة- فلم تدع من عاد أحدا إلا هلك. فاعتزل هود، فيما ذكر لي، ومن معه من المؤمنين في حظيرة، ما يصيبه ومن معه من الريح، إلا ما تلين عليه الجلود وتلذ الأنفس.
وإنها لتمرّ على عاد بالظّعن بين السماء والأرض، وتدمغهم بالحجارة. وخرج وقد عاد من مكة حتى مروا بمعاوية بن بكر وأبيه، فنزلوا عليه.
فبينما هم عنده، إذ أقبل رجل على ناقة له في ليلة مقمرة، ممسى ثالثة في مصاب عاد. فأخبرهم الخبر، فقالوا له: أين فارقت هودا وأصحابه؟ قال: فارقتهم بساحل البحر