فقال معاوية بن بكر، حين أشارتا عليه بذلك:
ألا يا قيل، ويحك! قم فهينم ... لعل الله يصبحنا غماما
فيسقي أرض عاد، إنّ عادا ... قد امسوا لا يبينون الكلاما
من العطش الشديد، فليس نرجو ... به الشيخ الكبير ولا الغلام
وقد كانت نساؤهم بخير ... فقد أمست نساؤهم عيامى
وإن الوحش تأتيهم جهارا ... ولا تخشى لعاديّ سهاما
وأنتم ها هنا فيما اشتهيتم ... نهاركم وليلكم التماما
فقبّح وفدكم من وفد قوم ... ولا لقّوا التحية والسلاما
فلما قال معاوية ذلك الشعر، غنتهم به الجرادتان. فلما سمع القوم ما غنّتا به، قال بعضهم لبعض: يا قوم، إنما بعثكم قومكم يتعوذون بكم من هذا البلاء الذي نزل بهم، وقد أبطأتم عليهم! فادخلوا هذا الحرم واستسقوا لقومكم!.
فقال لهم مرثد بن سعد بن عفير: إنكم والله لا تسقون بدعائكم، ولكن إن أطعتم نبيكم وأنبتم إليه سقيتم! فأظهر إسلامه عند ذلك. فقال لهم جلهمة بن الخبيريّ خال معاوية بن بكر، حين سمع قوله، وعرف أنه قد اتبع دين هود وآمن به:
أبا سعد فإنك من قبيل ... ذوي كرم وأمّك من ثمود
فإنّا لن نطيعك ما بقينا ... ولسنا فاعلين لما تريد
أتأمرنا لنترك دين رفد ... ورمل وآل صدّ والعبود
ونترك دين آباء كرام ... ذوي رأي، ونتبع دين هود
ثم قالوا لمعاوية بن بكر وأبيه بكر: احبسا عنا مرثد بن سعد. فلا يقدمن معنا مكة. فإنه قد اتبع دين هود، وترك ديننا! ثم خرجوا إلى مكة يستسقون بها لعاد. فلما ولّوا إلى مكة خرج مرثد بن سعد من منزل معاوية بن بكر حتى أدركهم بها، قبل أن يدعوا الله بشيء مما خرجوا له.
فلما انتهى إليهم، قام يدعو الله بمكة، وبها وفد عاد قد اجتمعوا يدعون، يقول:
اللهم أعطني سؤلي وحدي ولا تدخلني في شيء مما يدعوك به وفد عاد.
وكان قيل بن عنز رأس وفد عاد.
وقال وفد عاد: اللهم أعط قيلا ما سألك، واجعل سؤلنا مع سؤله.
وكان قد تخلف عن وفد عاد حين دعا، لقمان بن عاد، وكان سيد عاد.