عن ناقة جوفاء وبراء، يتحرك جنينها بين جنبيها، كما سألوا. فعند ذلك آمن رئيسهم جندع بن عمرو ومن كان معه على أمره، وأراد بقية أشراف ثمود أن يؤمنوا، فصدهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد، والخباب صاحب أوثانهم، ورباب بن صعمر بن جلمس.
وكان لجندع بن عمرو ابن عم له، شهاب بن خليفة بن محلاة بن لبيد بن جواس، وكان من أشراف ثمود وأفاضلها، فأراد أن يسلم أيضا فنهاه أولئك الرهط فأطاعهم، فقال في ذلك رجل من مؤمني ثمود يقال له مهوش بن عنمة بن الزميل، رحمه الله:
وكانت عصبة من آل عمرو ... إلى دين النبيّ دعوا شهابا
عزيز ثمود كلّهم جميعا ... فهمّ بأن يجيب ولو أجابا
لأصبح صالح فينا عزيزا ... وما عدلوا بصاحبهم ذؤابا
ولكن الغواة من آل حجر ... تولوا بعد رشدهم ذبابا
وأقامت الناقة وفصيلها، بعد ما وضعته، بين أظهرهم مدة، تشرب من بئرها يوما، وتدعه لهم يوما، وكانوا يشربون لبنها يوم شربها، يحتلبونها فيملئون ما شاؤوا من أوعيتهم وأوانيهم، كما قال في الآية الأخرى وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ، كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ [القمر: ٢٨] وقال تعالى: هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [الشعراء: ١٥٥] . وكانت تسرح في بعض تلك الأودية، ترد من فج، وتصدر من غيره، ليسعها. لأنها كانت تتضلع من الماء، وكانت- على ما ذكر- خلقا هائلا، ومنظرا رائعا، إذا مرت بأنعامهم نفرت منها. فما طال عليهم ذلك، واشتد تكذيبهم لصالح النبيّ عليه السلام، عزموا على قتلها ليستأثروا بالماء كل يوم. فيقال إنهم اتفقوا كلهم على قتلها. قال قتادة: بلغني أن الذي قتلها طاف عليهم كلهم أنهم راضون لقتلها، حتى على النساء في خدورهن. قال ابن كثير:
قلت وهذا هو الظاهر لقوله تعالى: فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها [الشمس: ١٤] ، وقال وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها [الإسراء:
٥٩] ، وقال فَعَقَرُوا النَّاقَةَ [الأعراف: ٧٧] . فأسند ذلك إلى مجموع القبيلة، فدل على رضى جميعهم بذلك- والله أعلم-.
وذكر الإمام أبو جعفر بن جرير، وغيره من علماء التفسير، أن سبب قتلها، أن امرأة من ثمود يقال لها (عنيزة بنت غنم بن مجلز، تكنى بأم غنم، وهي من بني عبيد بن المهل، أخي رميل بن المهل، وكانت امرأة ذؤاب بن عمرو، وكانت عجوزا مسنة، وكانت ذات بنات حسان، وكانت ذات مال من إبل وبقر وغنم.