للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذي من الأب ينشق، وهو يشهد لأجلي، وأنتم تشهدون لأنكم معي من الابتداء) .

وفي الباب السادس عشر منه: (لكني أقول لكم الحق، إنه خير لكم أن أنطلق لأني إن لم أنطلق، لم يأتكم الفارقليط. فأما إن انطلقت أرسلته إليكم، فإذ جاء ذاك، فهو يوبخ العالم على خطيئة، وعلى بر، وعلى حكم. أما على الخطيئة فلأنهم لم يؤمنوا بي. وأما على البر فلأني منطلق إلى الأب، ولستم ترونني بعد. وأما على الحكم، فإن رئيس هذا العالم قد دين. وإن لي كلاما كثيرا أقوله لكم، ولكنكم لستم تطيقون حمله. وإذا جاء روح الحق ذاك، فهو يعلمكم جميع الحق، لأنه ليس ينطق من عنده، بل يتكلم بكل ما يسمع، ويخبركم بما سيأتي، وهو يمجدني، لأنه يأخذ مما هو لي، ويخبركم جميع ما هو للأب، فهو لي. من أجل هذا قلت (إن مما هو لي يأخذ ويخبركم) . ومن أمعن النظر في هذه العبارات، ولاحظ ما اشتملت عليه من الفحاوى والإشارات جزم بأن (الفارقليط) هو محمد صلّى الله عليه وسلّم، فإنه هو الذي ظهر بعد عيسى عليه السلام، وشهد لعيسى بالنبوة والرسالة، ومجده وبرأه مما افتراه عليه النصارى من دعوى الربوبية، ومما افتراه عليه اليهود من كونه ساحرا كذابا، وعلى والدته من كونها غير طاهرة الذيل، بريئة الساحة، وهو الذي وبخ العالم، سيما اليهود، على الخطايا، لا سيما خطيئة الكفر بعيسى عليه السلام، والطعن في والدته الطاهرة البتول، وهو الأمين الصادق، الذي علم جميع الحقائق، وهو الذي أبان من الأسرار ما لم تطق تحمله قبل مجيئه الأفكار، وهو الذي، لا ينطق عن الهوى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى [النجم: ٣] .

وفسر العلامة ابن قتيبة (روح الحق الذي من الأب ينبثق) أي يصدر بكلام الله المنزل، وأستدل بقوله تعالى وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشورى:

٥٢] ، والمراد به هنا القرآن الكريم، لأنه هو الذي يشهد للمسيح بالنبوة والنزهة، عما افترى عليه، وبأنه روح الله وكلمته وصفيه ورسوله، كما شهد الحواريون الذين كانوا معه، واهتدوا بهديه. ولم يثبت شهادة كتاب غير القرآن بذلك، فتعيّن أن يكون هو المراد.

وفي قول عيسى عليه السلام (إنه خير لكم أن أنطلق لأني إن لم أنطلق لم يأتكم الفارقليط إشارة إلى أن نبينا عليه الصلاة والسلام أفضل.

ولفظ (فارقليط) يوناني الأصل، قيل: أصله باراكلي طوس، بمعنى كان لسان

<<  <  ج: ص:  >  >>