للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليرجعوا، صدهم ازدحام الناس عن أن يثنوا رواحلهم، فاستقاموا وتناولوا سيوفهم وتراسهم، واقتحموا عن الرواحل راجعين إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقد اجتمع منهم حواليه نحو المائة، فاستقبلوا هوازن، والناس متلاحقون، واشتد الحرب، وحمي الوطيس.

ولما غشوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نزل عن بغلته، ثم قبض قبضة من تراب الأرض، ثم استقبل به وجوههم

وقال: شاهت الوجوه! فما بقي إنسان منهم إلا أصابه منها في عينيه وفمه

، ثم صدق المسلمون الحملة عليهم، وقذف الله في قلوب هوازن الرعب. فلم يملكوا أنفسهم، فولوا منهزمين، ولحق آخر الناس، وأسرى هوازن مغلولة بين يديه، وغنم المسلمون عيالهم وأموالهم، واستحرّ القتل في بني مالك من ثقيف، فقتل منهم يومئذ سبعون رجلا، وانحازت طوائف هوازن إلى أوطاس، واتبعتهم طائفة من خيل المسلمين الذين توجهوا من (نخلة) ، فأدركوا فيهم دريد بن الصمة فقتلوه.

وبعث صلّى الله عليه وسلّم إلى من اجتمع بأوطاس من هوازن، أبا عامر الأشعري عمّ أبي موسى، فقاتلهم، وقتل بسهم رماه به سلمة بن دريد بن الصمة، فأخذ أبو موسى الراية، وشدّ على قاتل عمه، فقتله، وانهزم المشركون، وانفضّت جموع أهل هوازن كلها، واستشهد من المسلمين يومئذ أربعة. ثم جمعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سبايا حنين وأموالها، فأمر بها، فحبست (بالجعرانة) بنظر مسعود بن عمرو الغفاري. وسار صلّى الله عليه وسلّم من فوره إلى الطائف، فحاصر بها (ثقيف) خمس عشرة ليلة، وقاتلوا من وراء الحصون، وأسلم من كان حولهم من الناس، وجاءت وفودهم إليه. ثم انصرف صلّى الله عليه وسلّم عن الطائف، ونزل الجعرانة فيمن معه من الناس وأتاه هناك وفد هوازن، مسلمين راغبين، فخيرهم بين العيال والأبناء والأموال، فاختاروا العيال والأبناء، وكلموا المسلمين في ذلك بأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم،

فقال صلّى الله عليه وسلّم: ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم

، وقال المهاجرون والأنصار: ما كان لنا فهو لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن لم تطب نفسه عوّضه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن نصيبه، ورد عليهم نساءهم وأبناءهم بأجمعهم.

وكان عدد سبي هوازن ستة آلاف بين ذكر وأنثى، والإبل أربعة وعشرون ألفا، والغنم أكثر من أربعين ألف شاة، وأربعة آلاف أوقية فضة، وقسم صلّى الله عليه وسلّم الأموال بين المسلمين، ونقل كثيرا من الطلقاء (وهم الذين منّ عليهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالإطلاق يوم فتح مكة من الأسر ونحوه) يتألفهم على الإسلام، مائة من الإبل، ومنهم مالك بن عوف النصريّ. فقال حين أسلم:

ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... في الناس كلهم بمثل محمد

أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدى ... ومتى يشأ يخبرك عما في غد

<<  <  ج: ص:  >  >>