وكانوا قد فتحوها بإيجاف الخيل والركاب، وهم عشرة آلاف، وفيهم حاجة إلى ما يحتاج إليه الجيش من أصحاب القوة، فحرك سبحانه قلوب المشركين لغزوهم، وقذف في قلوبهم إخراج أموالهم ونعمهم وشياههم، وسبيهم معهم نزولا وضيافة، وكرامة لحزبه وجنده، وتمم تقديره سبحانه بأن أطمعهم في الظفر، وألاح لهم مبادئ النصر، ليقضي الله أمرا كان مفعولا.
فما أنزل الله نصره على رسوله وأوليائه، وبرزت الغنائم لأهلها، وجرت فيها سهام الله ورسوله، قيل: لا حاجة لنا في دمائكم، ولا في نسائكم وذراريّكم. فأوحى الله سبحانه إلى قلوبهم التوبة والإنابة، فجاءوا مسلمين، فقيل: إن من شكران إسلامكم، وإتيانكم، أن ردّ عليكم نساءكم وأبناءكم وسبيكم إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنفال: ٧٠] .
ومنها: أن الله سبحانه افتتح غزوات العرب بغزوة بدر، وختم غزوهم بغزوة حنين، ولهذا، يقرن بين هاتين الغزاتين بالذكر، فيقال: بدر وحنين، وإن كان بينهما سبع سنين، والملائكة قاتلت بأنفسها مع المسلمين في هاتين الغزاتين، والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم رمى في وجوه المشركين بالحصباء فيها، وبهاتين الغزاتين طفئت جمرة العرب لغزو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين، فالأولى خوفتهم وكسرت من خدتهم، والثانية استفرغت قواهم، واستنفدت سهامهم، وأذلت جميعهم، حتى لم يجدوا بدا من الدخول في دين الله.
ومنها: أن الله سبحانه جبر بها أهل مكة، وفرحهم بما نالوه من النصر والمغنم، وكانت كالدواء لما نالهم من كسرهم، وإن كان عين جبرهم، وعرفهم تمام نعمه عليهم، بما صرف عنهم من شر هوازن، فإنه لم يكن لهم بهم طاقة، وإنما نصروا عليهم بالمسلمين، ولو أفردوا عنهم لأكلهم عدوّهم. إلى غير ذلك من الحكم التي لا يحيط بها إلا الله تعالى. انتهى.
الثالث- قال بعضهم: دلت الآية على أنه يجب الانقطاع إلى الله تعالى، والاتكال عليه. ودل ما حكى في القصة على جواز ما ورد حسنه من جواز التأليف، وملاطفة المؤمنين والرمي بالحصا حالة الحرب، والأصوات التي يرهب بها. انتهى.
ولابن القيم في (زاد المعاد) فصول حسنة في فقه هذه الوقعة. فلينظر.