أقيموا في الشمس في بعض أرض الشام، فقال: ما شأن هؤلاء؟ فقيل له أقيموا في الشمس في الجزية! قال: فكره ذلك، ودخل على أميرهم وقال: إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: من عذب الناس عذبه الله.
قال: وحدثنا هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب مرّ بطريق الشام وهو راجع في مسيره من الشام على قوم قد أقيموا في الشمس، يصبّ على رؤوسهم الزيت، فقال: ما بال هؤلاء؟ فقال: عليهم الجزية لم يؤدوها، فهم يعذبون حتى يؤدوها! فقال عمر: فما يقولون هم وما يتعتذرون به في الجزية؟ قالوا: يقولون لا نجد! قال: فدعوهم لا تكلفوهم ما لا يطيقون. فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
لا تعذبوا الناس، فإن الذين يعذبون الناس في الدنيا، يعذبهم الله يوم القيامة، وأمر بهم فخلى سبيلهم.
ثم قال: وحدثني عمير بن نافع عن أبي بكر قال: مرّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بباب قوم وعليه سائل يسأل، شيخ ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال: يهودي. قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال:
اسأل الجزية، والحاجة والسن. قال: فأخذ عمر بيده، وذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه، فو الله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته، ثم نخذله عند الهرم إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ [التوبة: ٦٠] ، والفقراء هم المسلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب. ووضع عنه الجزية وعن ضربائه. قال: قال أبو بكر: أنا شهدت ذلك من عمر، ورأيت ذلك الشيخ. انتهى.
الثامن- في الغرض من الجزية ورأفة المسلمين بمن أظلوهم بسيوفهم.
قال الإمام الشيخ محمد عبده مفتي مصر في كتاب (الإسلام والنصرانية) في هذا المعنى، تحت بحث المقابلة بين الإسلام الحربيّ، المسيحية السلمية، ما نصه ص ٧٤:
الإسلام الحربي، كان يكتفي من الفتح بإدخال الأرض المفتوحة تحت سلطانه، ثم يترك الناس، وما كانوا عليه من الدين، يؤدون ما يجب عليهم في اعتقادهم كما شاء ذلك الاعتقاد، وإنما يكلفهم بجزية يدفعونها، لتكون عونا على صيانتهم، والمحافظة على أمنهم في ديارهم، وهم في عقائدهم ومعابدهم وعاداتهم بعد ذلك أحرار، لا يضايقون في عمل، ولا يضامون في معاملة. خلفاء المسلمين،