وأقول: هذا الحديث ضعفوه. والأقوى منه كون هذه السورة التي فيها هذه الآية نزلت في السنة التاسعة كما قدمنا. فإذا نسخت بالزكاة كانت الزكاة في تلك السنة أو بعدها قطعا.
قال ابن حجر في (الفتح) : والظاهر أن ذلك كان في أول الأمر كما تقدم عن ابن عمر. واستدل له ابن بطال بقوله تعالى وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ [البقرة:
٢١٩] ، أي ما فضل عن الكفاية، فكان ذلك واجبا في أول الأمر، ثم نسخ- والله أعلم-.
وفي المسند «١» من طريق يعلى بن شداد بن أوس عن أبيه قال: كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه الشدة. ثم يخرج إلى قومه، ثم يرخص فيه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلا يسمع للرخصة، ويتعلق بالأمر الأول.
وما سقناه من مذهب أبي ذر، هو ما ساقه المفسرون وشراح الحديث. وزعم بعضهم أن الذي حدا أبا ذر لذلك ما رآه من استئثار معاوية بالفيء حيث قال: الذي صح أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم كانوا يعتبرون الفيء لكافة المسلمين، يستوي فيه المقاتلون وغيرهم، ولعله باعتبار أن القتال فريضة على كل المسلمين، فكلهم داخل تحت ذلك الحكم. قال: والذي يؤيد أنه لكافة المسلمين، أن أبا ذر رضي الله عنه لما كان بالشام، والوالي عليها، من قبل الخليفة عثمان، معاوية رضي الله عنهما، ورأى من معاوية ما يشعر بحرصه على ادخار المال في بيت المال، لصرفه في وجوه المصالح التي يراها للمسلمين، وكان أبو ذر مشهورا بالورع شديد الحرص على حقوق المسلمين، يقول الحق ولو على نفسه. أخذ يتكلم بهذا الأمر بين الناس واتخذ له حزبا من أهل الشام يساعده على مطالبة معاوية برد المال للمسلمين، وبيان عدم الرضا بكنزه في بيت المال، لأي حال من الأحوال، إلا لتوزيعه على كافة المسلمين لاشتراكهم بما أفاء الله عليهم أجمعين وتابعه على قوله جماعة كثيرون، كانوا يجتمعون لهذا القصد سرّا وجهرا، حتى كادت تكون فتنة، فشكاه معاوية إلى الخليفة عثمان رضي الله عنهم أجمعين فنفاه إلى الربذة خوفا من حدوث ما لا تحمد عقباه. انتهى.