للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيما، ولكن الله يعظّم من أمره ما يشاء.

وقال: إن الله اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلا، ومن الناس رسلا، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر. فعظّموا ما عظّم الله، فإنما تعظيم الأمور بما عظم الله به عند أهل الفهم، وأهل العقل- نقله ابن كثير- ثم ذكر أن ابن جرير اختار في قوله تعالى فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ما قاله ابن إسحاق فيما تقدم.

أقول: وهو الظاهر المتبادر.

السادسة- قال المهايمي: إنما كان منها أربعة حرم ليكون ثلث السنة تغليبا للتحليل الذي هو مقتضى سعة الرحمة، على التحريم الذي هو مقتضى الغضب فجعل أول السنة وآخرها وهو المحرم وذو الحجة. ولما لم يكن له وسط صحيح، أخذ أول النصف الآخر وهو رجب، فبقي من الثلث شهر، فأخذ قبل الآخر وهو ذو القعدة، ليكون مع آخر السنة المتصلة بأولها وترا، وبقي وترية رجب فتتم السنة على التحريم باعتبار أولها وآخرها، وأوسطها، مع تذكر وترية الحق المؤكد للتحريم.

انتهى.

السابعة- استدل جماعة بقوله تعالى فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة: ٣٦] على أن تحريم القتال في الأشهر الحرم ثابت محكم لم ينسخ. وكذا بقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ [المائدة: ٢] وبقوله تعالى فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ..

[التوبة: ٥] الآية- وذهب آخرون إلى أن تحريم القتال فيها، منسوخ بآية السيف، يعني قوله تعالى: وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً [التوبة: ٣٦] قالوا: ظاهر السياق مشعر بأنه أمر بذلك أمرا عامّا ولو كان محرما في الشهر الحرام، لأوشك أن يقيده بانسلاخها، وبأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاصر أهل الطائف في شهر حرام، وهو ذو القعدة، كما ثبت في الصحيحين «١» أنه خرج إلى هوازن في شوال، فلما كسرهم واستفاء


(١) أخرجه البخاري في: المغازي، ٥٦- باب غزوة الطائف في شوال سنة ثمان، حديث رقم ١٩٢٨ عن عبد الله بن عمر.
وأخرجه مسلم في: الجهاد والسير، حديث ٨٢. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>