أموالهم ورجع فلّهم، لجئوا إلى الطائف، فعمد إلى الطائف فحاصرهم أربعين يوما، وانصرف ولم يفتتحها، فثبت أنه حاصر في الشهر الحرام. وأجاب الأولون بأن الأمر بقتل المشركين ومقاتلتهم مقيد بانسلاخ الأشهر الحرم، كما في قوله تعالى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ ... [التوبة: ٥] الآية- فتكون سائر الآيات المتضمنة للأمر بالقتال مقيدة بما ورد في تحريم القتال في الأشهر الحرم، كما هي مقيدة بتحريم القتال في الحرم، للأدلة الواردة في تحريم القتال فيه. فقوله تعالى: وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً ... الآية- من باب التهييج والتحضيض، أي كما يجتمعون لحربكم إذا حاربوكم، فاجتمعوا كذلك لهم. أو هو إذن للمؤمنين بقتال المشركين في الشهر الحرام، إذا كانت البداءة منهم، كما قال تعالى: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ [البقرة: ١٩٤] وقال تعالى: وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ... [البقرة: ١٩١] الآية- وهكذا الجواب عن حصار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أهل الطائف، واستصحابه الحصار إلى أن دخل الشهر الحرام، فإنه من تتمة قتال هوازن وأحلافها من ثقيف، فإنهم هم الذين ابتدءوا القتال، وجمعوا الرجال، ودعوا إلى الحرب والنزال، فعندها قصدهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما تقدم. فلما تحصّنوا بالطائف، ذهب إليهم لينزلهم من حصونهم، فنالوا من المسلمين، وقتلوا جماعة واستمر الحصار بالمجانيق وغيرها قريبا من أربعين يوما، وكان ابتداؤه في شهر حلال، ودخل الشهر الحرام، فاستمر فيه أياما، ثم قفل عنهم، لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء، وهذا أمر مقرر، وله نظائر كثيرة.
فالمحرم هو ابتداء القتال في الأشهر الحرام، لا إتمامه، وبهذا يحصل الجمع، ولذا قال ابن جريج: حلف بالله عطاء بن أبي رباح ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم، ولا في الأشهر الحرم، وما نسخت إلا أن يقاتلوا فيها.
الثامنة- قال في (الإكليل) في قوله تعالى إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ ... الآية- إنّ الله وضع هذه الأشهر وسماها ورتبها على ما هي عليه، وأنزل ذلك على أنبيائه، فيستدل بها لمن قال: إن اللغات توقيفية.
التاسعة- في (الإكليل) أيضا: استدل بقوله تعالى وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً من قال إن الجهاد في عهده صلّى الله عليه وسلّم كان فرض عين.
العاشرة- قال ابن إسحاق: كان أول من نسأ الشهور على العرب، فأحل منها ما حرم الله، وحرم منها ما أحل الله عزّ وجلّ (القلمّس) وهو حذيفة بن عبد فقيم بن