أهل التفسير واللغة جميعا. ورواه الحاكم مرفوعا، وكذلك ابن جرير. قال ابن كثير:
ووقفه أصح.
وعن ابن عباس: كل ما ذكر الله في القرآن من السياحة، فهو الصيام.
وعن الحسن: السائحون الصائمون شهر رمضان.
قال الشهاب: استعيرت السياحة للصوم لأنه يعوق عن الشهوات، كما أن السياحة تمنع عنها في الأكثر.
ونقل الرازي عن أبي مسلم أن السائحين: السائرون في الأرض، وهو مأخوذ من (السيح) سيح الماء الجاري، والمراد به من خرج مجاهدا مهاجرا. وتقريره أنه تعالى حث المؤمنين في الآية الأولى على الجهاد، ثم ذكر هذه الآية في بيان صفات المجاهدين، فينبغي أن يكونوا موصوفين بجميع هذه الصفات. وروى مثله ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن أنه قال: هم المهاجرون. وعن عكرمة أنهم المنتقلون لطلب العلم.
قال ابن كثير: جاء ما يدل على أن السياحة الجهاد،
فقد روى «١» أبو داود من حديث أبي أمامة أن رجلا قال: يا رسول الله! ائذن لي في السياحة. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلّم: سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله.
أقول: لو أخذ هذا الحديث تفسيرا للآية لالتقى مع كل ما روي عن السلف فيها، لأن الجهاد في سبيل الله، كما يطلق على قتال المشركين، يطلق على كل ما فيه مجاهدة للنفس في عبادته تعالى، ومنه الهجرة والصوم، والسفر للتفقه في الدين أو للاعتبار، بل ذلك هو الجهاد الأكبر. هذا على إرادة التوفيق بين المأثورات. أما لو أريد باللفظ أصل حقيقته اللغوية، أعني الضرب في الأرض خاصة، الذي عبر عنه عكرمة بالمنتقلين لطلب العلم، لكان بمفرده كافيا في المعنى، مشيرا إلى وصف عظيم، وهذا ما حدا بأبي مسلم أن يقتصر عليه، وهو الحق في تأويل الآية.
وقد رأيت لبعض المحققين مقالة في تأييده، يجدر بالمحقق أن يقف عليها، وهاك خلاصتها: قال: الكتاب الحكيم يأمر الإنسان كثيرا بأن يضحي قسما من حياته في السياحة والتسيار، لأجل اكتشاف الآثار، والوقوف على أخبار الأمم البائدة،
(١) أخرجه أبو داود في: الجهاد، ٦- باب النهي عن السياحة، حديث رقم ٢٤٨٦.