إما الدلالة على أنه بما عطف عليه في حكم خصلة واحدة، وصفة واحدة، لأن بينهما تلازما في الذهن والخارج، لأن الأوامر تتضمن النواهي ومنافاة بحسب الظاهر، لأن أحدهما طلب فعل، والآخر طلب ترك، فكانا بين كمال الاتصال والانقطاع المقتضي للعطف، بخلاف ما قبلهما. أو لأنه، لما عدد صفاتهم، عطف هذين ليدل على أنهما شيء واحد، وخصلة واحدة، والمعدود مجموعهما، كأنه قيل: الجامعون بين الوصفين. أو العطف لما بينهما من التقابل، أو لدفع الإيهام، وهذا معنى قول (المغني) الظاهر أن العطف في هذا الوصف إنما كان من جهة أن الأمر والنهي، من حيث هما أمر ونهي، متقابلان بخلاف بقية الصفات. أو لأن الآمر بالمعروف ناه عن المنكر، وهو ترك المعروف. والناهي عن المنكر آمر بالمعروف. فأشير إلى الاعتداد بكل من الوصفين، وأنه لا يكفي فيه ما يحصل في ضمن الآخر.
وأما الثاني: أعني قوله تعالى: وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ فقيل: سر العطف فيه الإيذان بأن التعداد قد تم بالسبع، من حيث إن السبعة هو العدد التامّ، والثامن ابتداء تعداد آخر معطوف عليه، ولذلك تسمى (واو الثمانية) ونظر فيه بأن الدال على التمام لفظ (سبعة) لاستعماله في التكثير، لا معدوده. والقول بواو الثمانية ذكروه في قوله تعالى: سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف: ٢٢] وضعفه في (المغني) .
وقيل: سر العطف التنبيه على أن ما قبله مفصل الفضائل، وهذا مجملها، لأنه شامل لما قبله وغيره. ومثله يؤتى به معطوفا، نحو زيد وعمرو وسائر قبيلتهما كرماء، فلمغايرته لما قبله، بالإجمال والتفصيل، والعموم، والخصوص، عطف عليه.
وقيل: بقوة الجامع بالتلازم، لأن من حصل الأوصاف السابقة، فقد حفظ حدود الله.
وقيل: المراد بحفظ الحدود ظاهره، وهي إقامة الحد، كالقصاص على من استحقه. والصفات الأولى إلى قوله الْآمِرُونَ صفات محمودة للشخص في نفسه، وهذه له باعتبار غيره، فلذا تغاير تعبير الصنفين، فترك العاطف في القسم الأول، وعطف في الثاني. ولما كان لا بد من اجتماع الأول في شيء واحد، ترك فيها العطف لشدة الاتصال، بخلاف هذه، فإنه يجوز اختلاف فاعلها ومن تعلقت به. وهذا هو الداعي لإعراب (التائبون) مبتدأ موصوفا بما بعده، و (الآمرون) خبره. فكأنه قيل:
الكاملون في أنفسهم المكملون لغيرهم. وقدم الأول لأن المكمل لا يكون مكملا حتى يكون كاملا في نفسه، وبهذا اتسق النظم أحسن نسق من غير تكلف، والله أعلم بمراده. كذا في (العناية) و (حواشي المغني) .