قال الرازي: للسياحة أثر عظيم في تكميل النفس، لأنه يلقاه أنواع من الضرّ والبؤس، فلا بد له من الصبر عليها، وقد يلقى أفاضل مختلفين، فيستفيد من كلّ ما ليس عند الآخر. وقد يلقى الأكابر من الناس، فيحقر نفسه في مقابلتهم. وقد يصل إلى المرادات الكثيرة، فينتفع بها. وقد يشاهد اختلاف أحوال الدنيا بسبب ما خلق الله تعالى في كل طرف من الأحوال الخاصة بهم، فتقوى معرفته. وبالجملة فالسياحة لها آثار قوية في الدين. انتهى.
وقال بعضهم: لا يعزب عنك أيها اللبيب أنه تعالى حث بني الإنسان على السفر في محكم كتابه العزيز، وندد على من ارتدى منهم رداء الكسل، وأوقع نفسه في وهدة الخمول، وتلذذ بالتقاعد عن جوب البلاد، وقطع الوهاد، فقال تعالى:
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها [الحج: ١٤٦] ،
وقال صلّى الله عليه وسلّم «١» : «سافروا تصحوا واغزوا تستغنوا» .
وقد تكلم كثير من العلماء والحكماء والأدباء على مزايا السفر نظما ونثرا.
ومن أجل فوائده زيادة علمه، وانتفاع غيره بما يعلمه وما يكتسبه. ومنها، وهو أعظمها، رضا ربه، ومزيد ثوابه بنفعه لعباده، وأحب عباد الله إلى الله أنفعهم لعباده.
وكذلك باتعاظه بأحوال الناس، واعتباره بأمورهم، واطلاعه في ساحته على الأسرار المكنونة، والحكم التي دبر الله بها أمر المخلوقات وأحكم بها صنع الكائنات. فمن وقف على سر الخالق زاد في تعظيمه وتقرب إليه بالطاعة والامتثال لأوامره ونواهيه، وليس بخاف ما وقع للأنبياء والمرسلين، والصحابة والتابعين، والأولياء والصالحين، من التنقلات والأسفار، في القرى والأمصار، للنظر والاعتبار.
الثاني- قال القاضي: إنما جعل ذكر الركوع والسجود، كناية عن الصلاة، لأن سائر أشكال المصلّي موافق للعادة، وهو قيامه وقعوده، والذي يخرج عن العادة في ذلك هو الركوع والسجود، وبه يتبين الفضل بين المصلي وغيره. ويمكن أن يقال:
القيام أول مراتب التواضع لله تعالى، والركوع وسطها، والسجود غايتها. فخص الركوع والسجود بالذكر، لدلالتهما على غاية التواضع والعبودية، تنبيها على أن المقصود من الصلاة نهاية الخضوع والتعظيم. ذكره الرازي.
الثالث- ذكروا في سر العطف في موضعين من هذه النعوت وجوها:
فأما الأول: أعني قوله تعالى: وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ فقالوا: سر العطف فيه
(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٢/ ٣٨٠. عن أبي هريرة. [.....]