للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقاومه، وغالبا على من يغالبه، ونافذا في إزهاق ما يخالفه. وكونه مؤثرا في إيجاد الأمة، وبقاء الشريعة، ونفوذ الحكم، وثبوت الكلمة، لما جعل الله فيه من النور، والهداية، والرحمة. وعبارته: إنّ كلام الله تعالى يمتاز عن غيره بالنفوذ، والغلبة في هداية الخلق، وإنشاء أمة مستقلّة، وإبقاء شريعة جديدة. وهي علامة كافية في معرفة الكلمات الإلهية، والآيات السماوية. ثم قال: وخلاصة تقرير الدليل أن الكلام- الذي يتحدّى الداعي به، وينسبه إلى الله- إذا ظهر منه التأثير التام في هداية النفوس المستعدة الطالبة، وقهر الأمم المنكرة المانعة، فأوجد أمة مستقلة نامية، وشريعة جديدة باقية، فلا يبقى ثمّة شك أنه هو كلام الله النازل من السماء، والقدرة الظاهرة منه هي القدرة التي منذ القديم ظهرت من المرسلين والأنبياء. وإلى هذه النكتة أشير في قوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ [الأنفال: ٧] وقال تعالى: وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ [الشورى: ١٦] وهذه العلامة لا توجد إلّا في كتب الله تعالى. ويتمكن كل إنسان أن يدركها ويفهمها منها. سواء كان عالما، أو أميا، أو عجميا. شرقيا، أو غربيا ... ! فمن الذي يشك أن بني إسرائيل ما خرجوا عن ظلمات الجهل إلى نور الإيمان، وعن ذلّة العبودية إلى عزّ الاستقلال إلا بسبب التوراة ... ؟! ومن الذي يجهل أن الأمم الأوروبية ما وصلوا إلى عبادة الله تعالى- بعد عبادة الأوثان- إلّا بواسطة الإنجيل ... ؟! ومن الذي لا يعرف أن الأمم الكبرى- من حدود الشرق الأقصى إلى أقاصى إفريقيّة- ما خرجوا عن ربقة الوثنية، وعبادة النار إلى التوحيد وعبادة الله إلّا بهداية القرآن العظيم؟ وما تحروا عن أغلال العقائد الفاسدة، والأعمال القبيحة، وما وصلوا إلى الأخلاق الفاضلة، والعقائد الصحيحة إلّا بنور هذا السّفر الكريم ... ؟! ثم قال: والخلاصة إن هذه العلامة وهي هداية النفوس، وإيجاد الديانة الجديدة- بقهر الأديان القديمة، وتبديل العوائد العتيقة- هي العلامة الظاهرة المميّزة بين الكلمات الإلهية! والمصنّفات البشرية. حتى أن أول نفس أذعنت بحقيقة رسالة رسول، وصدق شريعته، لو لم تعرف في نفسها هذه الهداية، ولم تشعر في ذاتها بهذه المغلوبية لما كانت أول من صدّقه ولبّاه، واتبعه وآساه، فإن محبّة الدين القديم الموروث راسخة في جميع النفوس. والخوف من تبديل أركانه وآدابه متمكّن في أعماق القلوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>