للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا سبعة. فكتب المؤرخين كثيرة الاختلاف في القصص وما المقصود منها إلا ليكون عبرة. وبالإجمال: فليس القصد من هذه القصص إلا منافعها، والعبر المبصرة للسامعين لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ.

ولسنا ممن يتبجح بالقول بلا بيان، فلا نعتمد إلا على البرهان. تأمّل هذا القصص، تجده لا يذكر إلا ما يناسب الإرشاد والنصح، ويعرض عن كثير من الوقائع، إذ لا لزوم له، ولا معوّل عليها. فلا ترى قصة إلا وفيها توحيد وعلم ومكارم أخلاق، وحجج عقلية، وتبصرة وتذكرة، ومحاورات جميلة تلذّ العقلاء. ولاقتصر من تلك القصص على ما حكاه عن يوسف الصدّيق عليه السلام، وكيف جاوز فيها كل ما لا علاقة له بالأخلاق، من مدنية المصريين وأحوالهم، إلى الخلاصة والثمرة. ألا ترى كيف صدرت بحديث سجود الشمس والقمر والكواكب له في الرؤيا، دلالة على أن للطفل استعدادا يظهر على ملامحة، وأقواله وأفعاله ورؤياه؟ وهذا أعظم شيء اعتنى به قدماء الحكماء، من اليونان والفرس، كما ذكره المؤرخون وعلماء الأخلاق: كانوا يختبرون أبناءهم، ويتأمّلون ملامحهم، ليعرفوا ما استعدوا له من الصناعات والرئاسات والعلوم. ثم تأمل في قصة الإخوة، وحديث القميص والجبّ والذئب والدم، لتعلم ما نشاهده كلّ يوم من معاداة الأقران لمن ظهرت مبادئ الجمال النفسي، والخلق المرضي، والجلال الظاهر على ملامحة. فيعيبونه بما يشينه في نفسه أو عرضه أو خلقه، دلالة على أن هذه سنّة في الكون لا تغادر نبيّا، ولا حكيما، ولا عالما مهما حسنت أخلاقه وجمل ظاهره وباطنه ... !

كلّ العداوات قد ترجى إزالتها ... إلّا عداوة من عاداك من حسد

جرت تلك السنّة في الأناسي: فإذا صبر الصالح فاز بالولاية عليهم، وأحبّوه بعد العداوة ولو بعد حين، وعادوا من آذاه! ثم انظر في حديث قصة امرأة العزيز، وكيف عفّ مع الشباب، وكيف ساس نفسه وصدق ظن مولاه في الأمانة، وأرضى إلهه، واتّسم بالفضيلة، فتوازى جماله الباطني والظاهري ... ! ولنكتف بهذا القدر الآن، ولنشرع في الكلام على الآداب والأخلاق وتربية الأمراء والعفو والصفح، التي تضمّنتها تلك القصّة! فأما علم الأخلاق، وتربية رؤساء الأمم منها، فتأمل في كلام الحكماء- أولهم وآخرهم- تجد إجماعهم على أنّ سياسة أخلاق النفس أوّلا فالمنزل فالمدينة كل واحدة مقدمة للاحقتها ثمرة لسابقتها إذ لا يعقل أن يسوس منزله من لم يسس نفسه، أو يسوس أمته من لم يدبر إدارة منزله!

<<  <  ج: ص:  >  >>