للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القصة، وبها نفهم ما ذكر في أولها: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ [يوسف: ٣] ، دع قول الجاهلين، وفهم المتنسّكين، وتجاوز خلط المؤرخين، واختلافهم، واصغ إلى ما في هذه القصة من هيئة تربية الحكام والأمراء، كما أشرنا سابقا، ولنزدك بيانا! قال علماء الأخلاق والحكماء: لا ينتظم أمر الأمة إلّا بمصلحين، ورجال أعمال قائمين، وفضلاء مرشدين هادين، لهم شروط معلومة، وأخلاق معهودة فإن كان القائم بالأعمال نبيّا فله أربعون خصلة ذكروها. كلها آداب وفضائل بها يسوس أمته. وإن كان رئيسا فاضلا لمدينة فاضلة، اكتفوا من الشروط الأربعين ببعضها.

وسيدنا يوسف عليه السلام حاز من كمال المرسلين وجمال النبيين. ولقد جاء في سيرته هذه ما يتخذه عقلاء الأمم هدى لاختيار الأكفاء في مهام الأعمال، إذ قد حاز الملك والنبوة! ونحن لا قبل لنا بالنبوة لانقطاعها، وإنما نذكر ما يليق بمقام رئاسة المدينة الفاضلة، ولنذكر منها ثلاث عشرة خصلة هي أهم خصال رئيس المدينة الفاضلة لتكون ذكرى لمن يتفكر في القرآن، وتنبيها للمتعلمين- العاشقين للفضائل- على نفائس الكتاب العظيم، وحبّا في نظرهم في القرآن، وليعلموا أن تلك القصص وقد أودعت ما لم يكن ليخطر على بال من سمعه للتغني به ومجرّد اللهو واللعب! أهم ما شرطه الحكماء في رئيس المدينة الفاضلة:

١- العفة عن الشهوات، ليضبط نفسه وتتوافر قوته النفسية كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ، إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف: ٢٤] .

٢- الحلم عند الغضب، ليضبط نفسه قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ، فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ [يوسف: ٧٧] .

٣- وضع اللّين في موضعه، والشدّة في موضعها وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ، أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ، فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ [يوسف: ٥٩- ٦٠] ، والصدر للين والعجز للشدة.

٤- ثقته بنفسه اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف: ٥٥] .

٥- قوة الذاكرة ليمكنه تذكر ما غاب ومضى له سنون، ليضبط السياسات ويعرف للناس أعمالهم وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ [يوسف: ٥٨] .

<<  <  ج: ص:  >  >>